گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد هشتم
سورة فاطر ..... ص : 410






اشارة
الْفَضْ لُ » إلی قوله « إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ » مکیۀ فی قول مجاهد و قتادة: لا ناسخ فیها و لا منسوخ، و به قال الحسن إلا آیتین قوله
و هی خمس و أربعون آیۀ عراقی و حجازي إلا إسماعیل. و ست و أربعون فی عدد إسماعیل و الشامیین. « الْکَبِیرُ
[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 1 الی 5] ..... ص : 410
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِکَ ۀِ رُسُلًا أُولِی أَجْنِحَ ۀٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ
شَیْءٍ قَدِیرٌ ( 1) ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَ ۀٍ فَلا مُمْسِکَ لَها وَ ما یُمْسِکْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ ( 2) یا أَیُّهَا النَّاسُ
اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ ( 3) وَ إِنْ یُکَذِّبُوكَ فَقَدْ کُذِّبَتْ
( رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( 4
( یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 5
ص: 411
صفحۀ 196 من 279
خمس آیات بلا خلاف.
جراً علی أنه صفۀ ل (خالق) الباقون- بالرفع- علی تقدیر هل من خالق هو غیر اللَّه، و « هل من خالق غیر اللَّه » قرأ حمزة و الکسائی
یجوز ان یکون التقدیر: هل غیر اللَّه من خالق، و یجوز أن یکون رفعاً علی موضع (من) و تقدیره هل خالق غیر اللَّه.
أي « فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ » أي الشکر له علی جمیع نعمه « الْحَمْدُ لِلَّهِ » یقول اللَّه تعالی لنبیه صلی اللَّه علیه و آله قل یا محمد
خالقهما و مخترعهما. و الفطر الشق عن الشیء بإظهاره للحس، و معنی فطر السموات و الأرض أي خلقهما و أظهرهما للحس بعد ان
لم تکونا ظاهرتین، و روي عن ابن عباس أنه قال: ما کنت أدري ما معنی فطر السموات حتی احتکم إلی أعرابیان فی بئر، فقال
أحدهما أنا فطرتها، أي اخترعتها و ابتدأتها. و من کان خالق السموات و الأرض لا یفعل إلا ما یستحق به الشکر و الحمد، لأنه غنی
حکیم، فلا یعدل عما یستحق به الحمد إلی ما لا یستحق به ذلک.
أُولِی » أي جعل الملائکۀ رسلا بعضهم إلی بعض و بعضهم إلی البشر. ثم ذکر اوصافهم و هو أنهم « جاعِلِ الْمَلائِکَ ۀِ رُسُلًا » و قوله
أي اثنین اثنین و ثلاثۀ ثلاثۀ و اربعۀ اربعۀ، فهذه الألفاظ معدولۀ عن الاثنین و «... مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ » أي اصحاب أجنحۀ « أَجْنِحَ ۀٍ
الثلاث و الأربع، مع انها ص: 412
صفات فلذلک ترك صرفها قال الشاعر:
«1» و لکنما اهلی بواد أنیسه ذئاب تبغی الناس مثنی و موحدي
و إنما جعلهم أولی أجنحۀ، لیتمکنوا بها من العروج إلی السماء و من النزول الی الأرض، قال قتادة: منهم من له جناحان، و منهم من له
قیل حسن الصوت و قیل من الأجنحۀ من حیث خلق للملائکۀ زیادة عما « یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ » ثلاثۀ و منهم من له أربعۀ، ثم قال
خلق لسائر الخلق من البشر و الأمم. فان قیل: الطائر لا یحتاج إلی اکثر من جناحین فما معنی خلق الملائکۀ أولی ثلاث و اربع؟ قیل:
إِنَّ اللَّهَ عَلی » یجوز أن یکون کل جناح بعلوه باثنین، و یجوز أن یکون للزینۀ الزائدة، و قد یکون للسمکۀ أجنحۀ فی ظهرها. ثم بین
أي لا شیء إلا و هو تعالی قادر علیه بعینه او قادر علی مثله. « کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ
فَلا مُمْسِکَ لَها وَ ما » معنی (ما) الذي و تقدیره الذي یفتح اللَّه للناس من نعمۀ و رحمۀ « ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَ ۀٍ » ثم قال تعالی
فی جمیع « الحکیم » یعنی القادر الذي لا یقهر « وَ هُوَ الْعَزِیزُ » أي من بعد اللَّه « فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ » من نعمۀ علی خلقه « یُمْسِکْ
أفعاله، إن أنعم و إن امسک، لأنه عالم بمصالح خلقه لا یفعل إلا ما لهم فیه مصلحۀ فی دینهم او دنیاهم.
بأن خلقکم و أوجدکم و أحیاکم و أقدرکم و شهاکم، و خلق لکم « یا أَیُّهَا النَّاسُ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ » ثم خاطب المؤمنین فقال
بالمطر « یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ » تقریراً لهم علی انه لا خالق غیر الله فی السموات و الأرض « هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ » المنافع التی تنتفعون بها
أي کیف تقلبون « فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ » أي لا معبود یستحق العبادة سواه تعالی «، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » بالنبات « وَ الْأَرْضِ » و من
__________________________________________________
.15 / 1) الکتاب لسیبویه 2 )
ص: 413
و إن کان أحدنا یخلق الشیء لأن هذه الصفۀ لا تطلق إلا علیه تعالی، « هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ » عن طریق الحق إلی الضلال. و انما قال
فاما غیره فإنها تقید له. و ایضاً فقد فسر ما أراد و هو أنه هل من خالق رازق للخلق من السموات و الأرض غیر الله أي لا خالق علی
هذه الصفۀ إلا هو. هذا صحیح لأنه لا احد یقدر علی ان یرزق غیره من السماء و الأرض بالمطر و النبات و أنواع الثمار.
فَقَدْ کُذِّبَتْ » یا محمد هؤلاء الکفار ،« وَ إِنْ یُکَذِّبُوكَ » ثم قال تعالی تعزیۀ للنبی صلی اللَّه علیه و آله و تسلیۀ له عن تکذیب قومه إیاه
یعنی ترد الأمور الی حیث « وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ » أرسلهم الله فکذبوهم و لم یقبلوا منهم فلک اسوة بمن کان قبلک « رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ
لا یملک التصرف فیها مطلقاً غیر الله یوم القیامۀ.
صفحۀ 197 من 279
فَلا » یعنی ما وعدهم به من البعث و النشور و الجنۀ و النار صحیح کائن لا محالۀ « یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ » ثم خاطب الخلق فقال
فتغترون بملاذها و زینتها و تترکون ما أمرکم الله به و ترتکبون ما نهاکم عنه (وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) فالغرور « تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا
هو الذي عادته ان یغر غیره، و الدنیا و زینتها بهذه الصفۀ، لأن الخلق یغترون بها، و قال الحسن الغرور الشیطان الذي هو إبلیس، و هو
قول مجاهد. و الرزق یطلق علی وجهین:
أحدهما- ان الله جعله یصلح للغذاء یتغذي به الحیوان و للملبس یلبسونه فالعباد من هذا الوجه لا یأکلون و لا ینتفعون إلا بما جعله الله
رزقاً لهم.
و الثانی- انه ملکه الله و حکم انه له فهم یتظالمون من هذا الوجه.
ص: 414
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 6 الی 10 ] ..... ص : 414
إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُ  وا إِنَّما یَدْعُوا حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِیرِ ( 6) الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ
عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ ( 7) أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَ ناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ فَلا تَذْهَبْ
نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ ( 8) وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها کَذلِکَ النُّشُورُ ( 9) مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعاً إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ وَ الَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئاتِ
( لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ ( 10
خمس آیات حجازي و کوفی، و ست بصري و شامی، عدّ البصریون و الشامیون (شدید) و لم یعده الباقون.
قرأ ابو جعفر (فلا تذهب) بضم التاء و کسر الهاء (نفسک) بنصب السین.
الباقون- بفتح التاء و الهاء، و رفع السین.
یقول اللَّه تعالی مخبراً لخلقه من البشر (إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ) فیعدل ص: 415
بکم عن أفعال الخیر و یدعوکم إلی ما فیه الهلکۀ، فالعداوة ضد الولایۀ، و لا یجوز ان یکون احد عدواً من وجه ولیاً من وجه، کما لا
یجوز أن یکون موجوداً من وجه معدوماً من وجه، لان الصفتین متنافیتان. ثم أمرهم بأن یتخذوا الشیطان عدّواً کما هو عدّو لهم، و بین
تعالی أن الشیطان لیس یدعو إلا حزبه أي أصحابه و جنده، و هم الذین یقبلون منه و یتبعونه. و بین انه إنما یدعوهم لیکونوا من
اصحاب السعیر بارتکاب المعاصی و الکفر باللَّه تعالی، و السعیر النار المستعرة.
ثم اخبر تعالی (إن الَّذِینَ کَفَرُوا) بآیات اللَّه و یکذبون رسله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ) جزاء علی کفرهم و تکذیبهم، و إن (الَّذِینَ آمَنُوا وَ
عَمِلُوا) الأفعال (الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من اللَّه لذنوبهم و لهم (أجر) أي ثواب (کبیر) ثم قال مقرراً لهم (أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ
حَسَ ناً) یعنی الکفار زینت نفوسهم لهم أعمالهم السیئۀ فتصوروها حسنۀ او الشیطان یزنیها لهم فیمیلهم الی الشبهۀ و ترك النظر فی
الأدلۀ الدالۀ علی الحق باغوائه حتی یتشاغلوا بما فیه اللذة و طرح الکلفۀ.
و خبر (من) فی قوله (أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) محذوف و تقدیره یتحسر علیه، و قیل: إن الخبر قوله (فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ) إلا أنه
وقع (من یشاء) موقعه. و قیل: جواب (ا فمن زین) محذوف بتقدیر: کمن علم الحسن من القبیح، و عمل بما علم. و قیل: کمن هداه
اللَّه.
و فی ذلک دلالۀ علی بطلان قول من یقول: إن المعارف ضرورة، لأنه دل علی انهم رأوا أعمالهم السیئۀ حسنۀ. و هذا رأي فاسد، ثم
قال لنبیه صلی اللَّه علیه و آله ناهیاً له (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ) یا محمد (حسرات). و من فتح التاء جعل التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 8، ص: 416
صفحۀ 198 من 279
الفعل للنفس، و الحسرة شدة الحزن علی ما فات من الأمر (إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ) من المعاصی و الطاعات فیجازیهم بحسبها.
ثم قال (وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً) أي تنشئه و تجمعه و تجیء به و تحرکه (فسقناه) إي فساقه الله (إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ) لم یمطر
أي قحط و جدب فیمطر علی تلک الأرض فیحیی بذلک الماء و المطر الأرض بعد موتها بالزرع بعد أن لم یکن فیها زرع. ثم قال:
کما فعل هذا بهذه الأرض الجدبۀ القحطۀ من إحیائها بالزرع بعد أن لم یکن فیها زرع مثل ذلک ینشر الخلائق بعد موتهم و یحشرهم
الی الموقف للجزاء من ثواب و عقاب. و قیل: إن اللَّه تعالی إذا أراد احیاء الخلق أمطر السماء أربعین یوماً فینبت بذلک الخلق نباتاً.
ثم قال تعالی (مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ) یعنی القدرة علی القهر و الغلبۀ (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعاً) أي له القهر علی جمیع الأشیاء لا یقدر احد ان
یمنعه مما یرید فعله به. و قیل: معناه من کان یرید علم العزة لمن هی، فهی للَّه. و قیل: معناه من أراد العزة فلیطع اللَّه حتی یعزه.
و قوله (إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ) قیل: معناه انه تعالی یقبله و یثیب علیه.
و قیل: الیه یصعد اي الی حیث لا یملک الحکم فیه إلا اللَّه، کما یقال: ارتفع أمرهم الی القاضی، و قوله (وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ) اي
یقبله. و قیل: فی الضمیر الذي فی (یرفعه) ثلاثۀ أوجه: أحدها- یرفع الکلم الطیب من الفعل.
الثانی- یرفعه الکلم الطیب. الثالث- یرفعه اللَّه.
ثم قال (وَ الَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئاتِ) اي یحتالون لفعل السیئات من الشرك و الکبائر. و قیل: هم اصحاب الریاء (لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ
، مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ) قال قتادة: معناه مکرهم یفسد. و قیل: معنی یبور یکسد، فلا ینفذ فی ما یریدون التبیان فی تفسیر القرآن، ج 8
ص: 417
و قال مجاهد: هو ما عمل للریاء فانه یفسد، قال ابن الزبعري:
«1» یا رسول الملیک ان لسانی راتق ما فتقت إذ انا بور
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 11 الی 17 ] ..... ص : 417
وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَۀٍ ثُمَّ جَعَلَکُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ
عُمُرِهِ إِلاَّ فِی کِتابٍ إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ ( 11 ) وَ ما یَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ کُلٍّ تَأْکُلُونَ
لَحْماً طَرِیا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَۀً تَلْبَسُونَها وَ تَرَي الْفُلْکَ فِیهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْ لِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ( 12 ) یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ
النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَ  می ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما یَمْلِکُونَ مِنْ
قِطْمِیرٍ ( 13 ) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعاءَکُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَکُمْ وَ یَوْمَ الْقِیامَۀِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ ( 14 ) یا
( أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ ( 15
( إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ ( 16 ) وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ ( 17
__________________________________________________
.479 / 294 و 7 / 1) مر تخریجه فی 6 )
ص: 418
ست آیات بصري و سبع فی ما عداه عدوا (بخلق جدید) و لم یعده البصریون.
قرأ یعقوب و لا (ینقص من عمره) بفتح الیاء و ضم القاف. الباقون علی ما لم یسم فاعله. و قرأ قتیبۀ (و الذین تدعون) بالتاء علی
الخطاب. الباقون بالیاء علی الخبر.
هذا خطاب من اللَّه سبحانه لجمیع خلقه من البشر انه خلقهم من تراب، و یرید ان آدم الذي هو أبوهم و منه انتسلوا خلقه من تراب و
منه توالدوا.
صفحۀ 199 من 279
و قیل: إن المراد به جمیع الخلق، لأنهم إذا خلقهم من نطفۀ و النطفۀ تستحیل من الغذاء، و الغذاء یستحیل من التراب، فکأنه خلقهم من
معناه ثم خلق أولاد آدم من نطفۀ ثم استثنا منه عیسی فی « ثُمَّ مِنْ نُطْفَۀٍ » تراب، ثم جعل التراب نطفۀ بتدریج. و علی الأول یکون قوله
أي اشکالا لان الزوج هو الذي معه آخر من « ثُمَّ جَعَلَکُمْ أَزْواجاً » فقوله «1» « إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ » قوله
معناه لیس تحمل الأنثی من حمل یولد و لا تضعه لتمام و لغیر تمام « وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ » شکله، و الاثنان زوجان
إلا و اللَّه تعالی عالم به، لا أن علمه آلۀ فی ذلک، و لا یدل ذلک علی أن له علماً یعلم به، لأن المراد ما ذکرناه من انه لا یحصل شیء
من ذلک إلا و هو عالم به.
و العمر مدة الأجل للحیاة و هو تفضل من « وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ » و قوله
__________________________________________________
. 1) سورة 3 آل عمران آیۀ 59 )
ص: 419
اللَّه سبحانه و تعالی یختلف مقداره بحسب ما یعلم من مصالح خلقه، کما یختلف الغنی و الفقر، و القوة و الضعف، و المعنی: و لیس
یطول عمر احد و لا ینقص من عمره بأن یذهب بعضه بمضی اللیل و النهار إلا و ذلک فی الکتاب المحفوظ أثبته اللَّه تعالی قبل
أي من عمر معمر آخر، و قال ابو مالک: معناه و لا ینقص من « وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ » کونه. و قال الحسن و الضحاك و ابن زید: معنی
عمره ینقضی ما ینقضی منه. و قال الفراء: هو کقولک: عندي درهم و نصفه أي و مثل نصف الدرهم من غیره.
ثم قال (إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ) یعنی تعمیر من یعمره و نقصان من ینقصه و إثبات ذلک فی الکتاب سهل علی اللَّه غیر متعذر.
ثم قال تعالی (وَ ما یَسْتَوِي الْبَحْرانِ) أي لا یستویان لان (هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ) اي مريء شهی (و هذا) الآخر (ملح أجاج)
یخرج «1» ( فالفرات أعذب العذب و الأجاج أشد المر. و الأجاج مشتق من أججت النار کأنه یحرق من مرارته. و (اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ
من الملح دون العذب. و قیل:
فی الملح عیون عذبۀ، و فی ما بینهما یخرج اللؤلؤ.
ثم قال (و من کل) یعنی من البحرین العذب و الأجاج (تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیا) یعنی سمکا (وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَۀً تَلْبَسُونَها) من اللؤلؤ و
المرجان (وَ تَرَي الْفُلْکَ) یعنی السفن (فِیهِ مَواخِرَ) اي تشق الماء فی جریانها شقاً. و قیل: معناه إنها تذهب و تجیء، بلغۀ قریش و
لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) معناه إنه تعالی خلق ذلک لخلقه ) «2» ( هذیل. و قال الحسن: یعنی مواقیر کقوله (الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ
__________________________________________________
. 1) سورة 55 الرحمان آیۀ 22 )
. 2) سورة 26 الشعراء آیۀ 119 )
. و سورة 36 یس آیۀ 41 و سورة 37 الصافات آیۀ 140
ص: 420
لیلتمسوا من فضل اللَّه برکوب البحر للتجارة و المسیر فیها طلباً للمنافع و ما یخرجون منها من انواع الأشیاء لکی یشکروا اللَّه علی نعمه
و یحمدوه علی فضله ثم قال (یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ) معناه انه ینقص من اللیل فی النهار عند منقلب الصیف، و
من النهار فی اللیل عند منقلب الشتاء.
و قیل: معناه انه یدخل کل واحد منهما علی صاحبه و یتعقبه (وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَ  می) قدره اللَّه لهما بحسب
ما علم من مصالح خلقه إلی الوقت الذي یفنیهما الله فیه. فتسخیر الشمس نزولها فی بروج مخصوصۀ فی أوقات مخصوصۀ کل فصل
منها لنوع آخر من المنافع لا یختلف الحال فیه، و تسخیر القمر جریانه علی وتیرة واحدة، فیستدل به علی السنین و الشهور، و ذلک
صفحۀ 200 من 279
یدل علی أن مدبره عالم حکیم.
ثم قال (ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ) الذي یقدر علی تسخیر الشمس و القمر، و إیلاج اللیل فی النهار و النهار فی اللیل و خلق البحرین العذب و
المالح، و منع أحدهما أن یختلط بالآخر لا یقدر علیه غیره (وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) و توجهون عبادتکم الیهم من الأصنام و الأوثان
(ما یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ) و هو قشر النواة- فی قول ابن عباس و مجاهد و قتادة و عطیۀ- فدل علی أن من لا یملک هذا القدر لا یستحق
العبادة و لا یکون إلهاً.
ثم قال (إن تدعوهم) یعنی الأصنام (لا یَسْمَعُوا دُعاءَکُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَکُمْ) لأنها جمادات یستحیل ذلک علیها، و لا یقدرون
علی ضرر و لا نفع (وَ یَوْمَ الْقِیامَۀِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ) قیل: إن الله تعالی یحیی الأصنام یوم القیامۀ لینکروا علی المشرکین، و یوبخوهم
علی عبادتهم إیاهم. و قال البلخی: یجوز ان یکون المراد به الملائکۀ و عیسی. و قوله (لا یَسْمَعُوا ص:
421
دُعاءَکُمْ)
أي هم بحیث لا یسمعونه او هم مشتغلون عنهم لا یلتفتون الیهم و لا یصغون و یجوز ان یکون المراد بها الأصنام و یکون ما یظهرونه
من بطلان ما ظنوه کفراً بشرکهم و جحداً له کما حصل ما فی الجماد من الدلالۀ علی الله مسبحاً له و هو کقولهم: سل الأرض من شق
أنهارك و غرس أشجارك و جنی ثمارك، فان لم تجبک حواراً اجابتک اعتباراً (و لا ینبئک) یا محمد بالشیء علی حقیقته (مثل
خبیر) عالم بما اخبر، و الله تعالی هو العالم بالأشیاء علی حقائقها.
ثم قال تعالی (یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ) اي محتاجون الیه (وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ) عن جمیع المخلوقات لا تجوز علیه الحاجۀ، لأنه
لیس بجسم فالحاجۀ من صفۀ الأجسام (الحمید) یعنی المحمود المستحق للحمد علی جمیع أفعاله، و الله تعالی لا یفعل إلا ما یستحق
به حمداً.
ثم اخبر تعالی عن قدرته فقال (إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ) معاشر الخلق و یفنیکم (وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ) آخر (جدید) و هو ما کان قریب عهد بانقطاع
العمل عنه، و أصله القطع من جده یجده إذا قطعه. و الجد ابو الأب لانقطاعه عن الولادة بالأب و الجد المضی فیه بقطعه أولا أولا من
غیر تفتیر (وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ) أي بممتنع فالعزیز المنیع بوجه من الوجوه الذي یتعذر معها الفعل.
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 18 الی 23 ] ..... ص : 421
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَۀٌ إِلی حِمْلِها لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْءٌ وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ
( أَقامُوا الصَّلاةَ وَ مَنْ تَزَکَّی فَإِنَّما یَتَزَکَّی لِنَفْسِهِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِ یرُ ( 18 ) وَ ما یَسْتَوِي الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ ( 19 ) وَ لا الظُّلُماتُ وَ لا النُّورُ ( 20
( وَ لا الظِّلُّ وَ لا الْحَرُورُ ( 21 ) وَ ما یَسْتَوِي الْأَحْیاءُ وَ لا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ ( 22
( إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِیرٌ ( 23
ص: 422
و لم « النور » و « البصیر » ست آیات حجازي و کوفی و خمس آیات شامی و اربع آیات بصري عد الحجازیون و الکوفی و الشامی
و لم یعده الشامی. « القبور » یعده البصري و عد الحجازیون و العراقیون
لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري معناه أنه لا تحمل حاملۀ حمل أخري من الذنب، » یقول اللَّه تعالی مخبراً حسب ما تقتضیه حکمته و عدله أنه
و الوزر الثقل، و منه الوزیر لتحمله ثقل الملک بما یتحمله من تدبیر المملکۀ، و تقدیره أنه لا یؤاخذ احد بذنب غیره، و إنما یؤاخذ
کل مکلف بما یقترفه من الإثم.
وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَۀٌ إِلی حِمْلِها لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْءٌ وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی معناه و إن تدع مثقلۀ بالآثام غیرها لتحمل عنها بعض الإثم لا » و قوله
صفحۀ 201 من 279
یحمل عنها شیئاً من آثامها، و إن کان أقرب الناس الیها، لما فی ذلک من مشقۀ حمل الآثام و لو تحملته لم یقبل تحملها، لما فیه من
مجانبۀ العدل و منافاته له، فکل نفس بما کسبت رهینۀ، لا یؤاخذ أحد بذنب غیره، و لا یؤخذ إلا بجنایته.
معناه لیس ینتفع بتخویفک یا محمد إلا الذین یخافون ربهم فی غیبتهم و خلواتهم « إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ » و قوله
فیجتنبون معاصیه فی سرهم و یصدقون بالآخرة. ص: 423
قال ابو عبیدة فی مجازه: اي و یقیمون، فوقع الماضی مقام المستقبل، و المعنی یدیمون فعلها و یقومون « وَ أَقامُوا الصَّلاةَ » و قوله
بشرائطها. و إنما عطف الماضی علی المستقبل إشعاراً باختلاف المعنی، لان الحسنۀ لازمۀ فی کل وقت و الصلاة لها اوقات
مخصوصۀ، و أضاف الانذار إلی الذین یخشون ربهم من حیث کانوا هم المنتفعون بها، و إن کان النبی صلی اللَّه علیه و آله ینذر کل
مکلف.
أي فعل الطاعات و قام بما یجب علیه من الزکاة و غیرها من الواجبات فإنما یتزکی لنفسه، لان ثواب ذلک و « وَ مَنْ تَزَکَّی » ثم قال
نفعه عائد علیه.
معناه یرجع الخلق کلهم الی حیث لا یملک الأمر و النهی إلا اللَّه، فیجازي کل مکلف علی قدر عمله. و « وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِ یرُ » و قوله
معناه لا یتساوي الأعمی عن طریق الحق و العادل عنها، و البصیر الذي یهتدي إلیها قط، لأن الأول « وَ ما یَسْتَوِي الْأَعْمی وَ الْبَصِ یرُ » قوله
یعنی و کذلک لا یستوي المؤمن و الکافر و المطیع و العاصی فشبه « وَ لَا الظُّلُماتُ وَ لَا النُّورُ » یستحق العقاب، و الثانی یستحق الثواب
فالظل هو الستر عن موقع الشمس و منه الظلۀ، و هی السترة « الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ » الایمان بالنور و الکفر بالظلمات، و کذلک لا یستوي
عن موقع الشمس، و منه قولهم: ظل یفعل کذا إذا فعل نهاراً فی الوقت الذي یکون للشمس ظل، و الحرور السموم و هو الریح الحارة
فی الشمس، و قال الفراء:
أي هما « وَ ما یَسْتَوِي الْأَحْیاءُ وَ لَا الْأَمْواتُ » الحرور یکون باللیل و النهار و السموم لا یکون إلا بالنهار. و قیل: الظل الجنۀ و الحرور النار
ایضاً لا یتساویان و لا یتماثلان، فالاسواء حصول أحد الشیئین علی مقدار الآخر، و منه الاستواء فی العود و الطریق خلاف الاعوجاج،
لممره علی مقدار أوله من غیر انعدال.
و هذه الأمثال أمثال ضربها اللَّه لعبادة اللَّه و عبادة الأوثان، و بین أنه کما ص: 424
لا تتماثل هذه الأشیاء، و لا تتشاکل و لا تتساوي، فکذلک عبادة اللَّه لا تشبه عبادة الأصنام.
وَ ما أَنْتَ » و معناه أن اللَّه ینفع باسماع ذلک من یشاء ممن یعلم أن له لطفاً یفعله به دون غیره « إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ » ثم قال تعالی
إِنْ » أي لأنک لا تقدر علی نفع الکفار باسماعک إیاهم إذا لم یقبلوا، کما لا تسمع من فی القبور من الأموات « بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ
أي لست إلا نذیراً مخوفاً باللَّه. « أَنْتَ إِلَّا نَذِیرٌ
شبه الکفار فی ترکهم قبول ما یسمعون و ذهابهم عن تفهمه و تدبره بالموتی، کما شبههم بالصم و العمی، یقال: أصمهم و أعمی
أبصارهم لیس أنهم کانوا لا یسمعون و لا یفهمون أو کان النبی صلی اللَّه علیه و آله لا ینذرهم لکن علی ما بیناه من التشبیه.
و قیل فی (لا) قولان: أحدهما- أنها زائدة مؤکدة للنفی. الثانی- انها باقیۀ لاستواء کل واحد منهما لصاحبه علی التفصیل. فمن قال:
إنها زائدة قال فی مثل قولهم لا یستوي زید و لا عمرو فی هذا المعنی، فلا تکون هنا إلا زائدة، و من قال: لیست زائدة، قال تقدیره لا
یستوي الأعمی و البصیر و لا یساوي البصیر الأعمی.
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 24 الی 26 ] ..... ص : 424
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِیراً وَ نَذِیراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّۀٍ إِلاَّ خَلا فِیها نَذِیرٌ ( 24 ) وَ إِنْ یُکَ ذِّبُوكَ فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
( بِالْبَیِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْکِتابِ الْمُنِیرِ ( 25 ) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ ( 26
صفحۀ 202 من 279
ثلاث آیات بلا خلاف. ص: 425
أي « بِالْحَقِّ » یا محمد « إِنَّا أَرْسَلْناكَ » لما قال اللَّه تعالی لنبیه إن أنت إلا نذیر، و معناه لست إلا مخوفاً من عقاب اللَّه و معاصیه قال له
أي لیس من « وَ إِنْ مِنْ أُمَّۀٍ » أي مخوفاً من عقابه لمن عصاه « وَ نَذِیراً » أي مبشراً بالجنۀ و ثواب اللَّه لمن أطاعه « بَشِیراً » بالدین الصحیح
منهم و قال آخرون: نذیر من غیرهم، و « إِلَّا خَلا فِیها نَذِیرٌ » أمۀ فی ما مضی إلا مضی فیها مخوف من معاصی اللَّه. و قال قوم: المعنی
هو رسول الیهم، کما أرسل نبینا صلی اللَّه علیه و آله الی العرب و العجم. و قال الجبائی: فی ذلک دلالۀ علی أنه لا أحد من المکلفین
إلا و قد بعث اللَّه الیهم رسولا، و أنه أقام الحجۀ علی جمیع الأمم.
فَقَدْ » یا محمد و لم یصدقوك فی انک نبی من قبل الله « وَ إِنْ یُکَ ذِّبُوكَ » ثم قال علی وجه التسلیۀ له و التعزیۀ عن تکذیب قومه إیاه
یعنی « وَ بِالزُّبُرِ » أي الحجج الواضحات « بِالْبَیِّناتِ » من الله « جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ » من الکفار أنبیاء أرسلوا الیهم « کَ ذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ
الموضح بمنزلۀ ما فیه من نور یستضاء به. و الزبر هی الکتب، و انما کرر ذکر الکتاب، و عطف علیه، « وَ بِالْکِتابِ الْمُنِیرِ » بالکتب
لاختلاف الصنفین، لان الزبر الکتابۀ الثابتۀ کالنقر فی الحجر، ثم بین تعالی ان الکفار لما کذبوا رسل الله الذین جاءوهم بالبینات و لم
یعترفوا بنبوتهم انه أخذهم بالعذاب و بالعقوبۀ العاجلۀ و اهلکهم و دمر علیهم.
قوله تعالی: [سورة فاطر ( 35 ): الآیات 27 الی 30 ] ..... ص : 425
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُ دَدٌ بِیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِیبُ سُودٌ
27 ) وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ کَذلِکَ إِنَّما یَخْشَ ی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ ( 28 ) إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ )
کِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِ  را وَ عَلانِیَۀً یَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ ( 29 ) لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ یَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْ لِهِ إِنَّهُ
( غَفُورٌ شَکُورٌ ( 30
ص: 426
أربع آیات بلا خلاف.
هذا خطاب من الله تعالی لنبیه و المراد به جمیع المکلفین منبهاً لهم علی طریق الاستدلال علی وحدانیته و اختصاصه من الصفات بما
اخبار منه « فَأَخْرَجْنا بِهِ » یعنی غیثاً و مطراً « أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » یا محمد و معناه أ لم تعلم « أَ لَمْ تَرَ » لا یختص به سواه بأن قال
لان فیها الأحمر و الأبیض و « مُخْتَلِفاً أَلْوانُها » جمع ثمرة، و هی ما یجتنی من الشجر « ثَمَراتٍ » تعالی عن نفسه انه أخرج بذلک الماء
الأصفر و الأخضر و غیر ذلک. و لم یذکر اختلاف طعومها و روائحها لدلالۀ الکلام علیه. و الاختلاف هو امتناع الشیء من ان یسد
وَ» مسد صاحبه فی ما یرجع إلی ذاته ألا تري أن السواد لا یسد مسد البیاض، و ذلک لا یقدر علیه سواه تعالی من جمیع المخلوقین
واحده جده نحو مدة و مدد و اما جمع جدید فجدد- بضم الدال- مثل سریر و سرر. و الجدد الطرائق (بِیضٌ وَ حُمْرٌ « مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِیبُ سُودٌ) واحد الغرابیب غربیب و هو الذي لونه کلون الغراب من شدة سواده، و لذلک قال (سود) لأنه دل علیه
من هذا ص: 427
الوجه، ثم بین بالافصاح أنها سود، قال امرؤ القیس:
«1» کأن سراته و جدّة متنه کنائن یحري فوقهن دلیص
یعنی بالجدة الخطۀ السوداء تکون فی متن الحمار، و الکنائن جمع کنانه، و الدلیص الذي یبرق من الذهب و الفضۀ و ما أشبهها،
فالجدد هی الوان الطرق.
ثم قال (وَ مِنَ النَّاسِ) أیضاً (و من الدَّوَابِّ) التی تدب علی وجه الأرض (و الانعام) کالإبل و البقر و الغنم (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ایضاً مثل
ذلک مما فی الجبال و الثمار (کذلک) أي مثل ما قدمنا ذکره.
صفحۀ 203 من 279
ثم قال (إِنَّما یَخْشَ ی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) و معناه لیس یخاف اللَّه حق خوفه و لا یحذر معاصیه خوفاً من عقابه إلا العلماء الذین
یعرفون حقیقۀ ذلک فأما الجهال و من لا یعرف اللَّه فلا یخافونه مثل ذلک، و کذلک ینظر العلماء فی حجج اللَّه و بیناته و یفکرون
فی ما یفضی بهم إلی معرفته من جمیع ما تقدم ذکره ثم اخبر تعالی فقال (إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ) فی انتقامه من أعدائه (غفور) لأولیائه و
التائبین من خلقه الراجعین إلی طاعته.
ثم قال (إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ) یعنی یقرءون القرآن و یعملون بما فیه (وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا) فی طاعۀ اللَّه (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي
مما رزقهم اللَّه و ملکهم التصرف فیه (سِ  را وَ عَلانِیَۀً) أي فی حال سرهم، و فی حال علانیتهم (یرجون) فی موضع الحال أي راجیین
بذلک (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أي لا تکسد. و قیل: لا تفسد، یقال بارت السوق إذا کسدت و بار الطعام، و بار الشیء إذا فسد، قال الشاعر:
__________________________________________________
1) دیوانه (شرح السندوسی) 124 و روایته (ظهره) بدل (متنه). )
ص: 428
«1» یا رسول الملیک إن لسانی راتق ما فتقت إذ أنا بور
ثم بین انهم یقصدون بذلک أن یوفیهم الله أجور ما عملوا من الطاعات بالثواب و یزیدهم من فضله زیادة علی قدر استحقاقهم، لأنه
وعد بأن یعطی الواحد عشرة (إنه غفور) لعباده ساتر لذنوبهم (شکور) معناه إنه یعامل بالإحسان معاملۀ الشاکر. و قال الجبائی: وصفه
بأنه شکور مجاز، لان معناه انه یجازي علی الطاعات.
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 31 الی 35 ] ..... ص : 428
وَ الَّذِي أَوْحَیْنا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُ َ ص دِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِ یرٌ ( 31 ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْ طَفَیْنا مِنْ
عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِ دٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ ( 32 ) جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها یُحَلَّوْنَ
فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ ( 33 ) وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَ کُورٌ ( 34 ) الَّذِي
( أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَۀِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ ( 35
خمس آیات بلا خلاف.
__________________________________________________
.479 / 294 و 7 / 1) قد مر فی 6 )
ص: 429
قرأ ابو عمرو (یدخلونها) بضم الیاء علی ما لم یسم فاعله لیشاکل قوله تعالی (یحلون). الباقون بفتح الیاء، لأنهم إذا أدخلوها فقد
دخلوها، و المعنیان متقاربان.
یقول اللَّه تعالی لنبیه محمد صلی اللَّه علیه و آله (وَ الَّذِي أَوْحَیْنا إِلَیْکَ) یا محمد و أنزلناه علیک (من الکتاب) یعنی القرآن (هو
الحق) معناه هو الصحیح الذي معتقده علی ما هو به. و ضده الباطل، و هو ما کان معتقده لا علی ما هو به.
و العقل یدعو إلی الحق و یصرف عن الباطل، و قوله (مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ) معناه مصدقاً لما قبله من الکتب بأنه جاء موافقاً لما بشرت
به تلک الکتب من حاله و حال من أتی به. ثم قال (إن اللَّه) تعالی بعباده (لخبیر) أي عالم بهم (بصیر) بأحوالهم لا یخفی علیه شیء
منها فیجازیهم علی استعمال الحق بالثواب و علی استعمال الباطل بالنار. ثم قال (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ) یعنی القرآن أورثناه من اصطفیناه
و قیل «1» ( من عبادنا. و معنی الإرث انتهاء الحکم الیه و مصیره لهم، کما قال تعالی (وَ تِلْکَ الْجَنَّۀُ الَّتِی أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
المراد أورثناهم الایمان بالکتب السالفۀ و کان المیراث انتقال الشیء من قوم إلی قوم.
صفحۀ 204 من 279
و الأول أصح. و الاصطفاء الاختیار بإخراج الصفوة من العباد، فاصطفی اللَّه المؤمن یحمل علی ثلاث طبقات مؤمن ظالم لنفسه بفعل
الصغیرة، و مقتصد بالطاعات فی المرتبۀ الوسطی، و سابق بالخیرات فی الدرجۀ العلیا، و هم الذین لم یرتکبوا شیئاً من المعاصی، و کل
وعد اللَّه الحسنی، و الذین اصطفاهم اللَّه و أورثهم الکتاب قیل: هم الأنبیاء فمنهم ظالم لنفسه یعنی أصحاب الصغائر. و قیل: هم
اصحاب النار، هذا من قول من أجاز علی الأنبیاء الصغائر دون الکبائر، فأما
__________________________________________________
. 1) سورة 43 الزخرف آیۀ 72 )
ص: 430
من لا یجوز علیهم شیئاً من المعاصی أصلًا لا صغیرة و لا کبیرة یقول: معنی الآیۀ إن اللَّه تعالی أورث علم الکتاب الذي هو القرآن
الذین اصطفاهم و اجتباهم و اختارهم علی جمیع الخلق من الأنبیاء المعصومین، و الأئمۀ المنتجبین الذین لا یجوز علیهم الخطأ و لا
فعل القبیح لا صغیراً و لا کبیراً، و یکون قوله (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) راجعاً إلی (عباده) و تقدیره فمن عبادنا ظالم لنفسه، و من عبادنا
مقتصد، و من عبادنا سابق بالخیرات، لأن من اصطفاه اللَّه لا یکون ظالماً لنفسه، فلا یجوز أن ترجع الکنایۀ إلی الذین اصطفینا و قوله
یعنی یعلم من اقتصد او ظلم نفسه أو سبق بالخیرات. « بالخیرات »
ثم قال (ذلِکَ هُوَ الْفَضْ لُ الْکَبِیرُ) یعنی السبق بالخیرات هو الفضل العظیم الذي لا شیء فوقه. و قال ابن عباس: الذین أورثهم اللَّه
الکتاب هم أمۀ محمد، ورثهم اللَّه کل کتاب أنزله، فظالمهم یغفر له، و مقتصدهم یحاسبهم حساباً یسیراً و سابقهم یدخلون الجنۀ بغیر
حساب. و قال ابن مسعود- بذلک- و کعب الأحبار. و قال الثلاث فرق- المذکورة فی هذه الآیۀ- کلهم فی الجنۀ. و قال عکرمۀ عن
ابن عباس: إن المصطفین من هذه الأمۀ الأنبیاء، و الظالم لنفسه هو المنافق و المقتصد و السابق بالخیرات فی الجنۀ، و المنافق فی النار.
و قال الحسن و مجاهد: السابق بالخیرات من جمیع الناس، و الظالم لنفسه أصحاب المشئمۀ، و المقتصد اصحاب المیمنۀ من الناس
کلهم. و هذا مثل ما قلناه من ان الکنایۀ راجعۀ إلی العباد دون المصطفین، و قال البلخی: الاصطفاء- هاهنا- التکلیف دون الثواب،
فعلی هذا یجوز أن ترجع الکنایۀ الی المصطفین.
فرفع جنات علی تفسیر الفوز، کأنه قیل: ما ذلک الفوز؟ فقال هی جنات أي جزاء جنات أو دخول جنات، و « جَنَّاتُ عَدْنٍ » ثم قال
یجوز أن یکون ص: 431
یعنی من « یَدْخُلُونَها » بدلا من الفوز، کأنه قال ذلک جنات أي دخول جنات، و الجنات هی البساتین التی یجنها الشجر، و العدن الاقامۀ
و أساور جمع « مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ » بمعنی یلبسون فیها الحلی « یُحَلَّوْنَ فِیها » تقدم ذکره من الذین سبقوا بالخیرات و المقتصدین
و هو نافع و عاصم فعلی تقدیر و یحلون « لؤلؤاً » فیمن جر، و من نصب « مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً » أسوار، و من قال سوار جمعه علی أسورة
معناه إن ما یلبسه أهل الجنۀ من اللباس إبریسم محض. « وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ » فیها لؤلؤاً
أي اعترافاً بنعمۀ اللَّه و شکراً له علی نعمه، و هو الاعتراف « قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ » ثم اخبر تعالی عن حال من یدخل الجنۀ أنهم إذا دخلوها
و معناه أذهب الغم عنا بخلاف ما کنا علیه « الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ » منهم علی وجه الإلجاء، لهم فی ذلک سرور لا علی وجه التکلیف
فی دار الدنیا، و قیل: الحزن الذي أصابهم قبل دخول الجنۀ، فإنهم یخافون من دخول النار إذا کانوا مستحقین لها، فإذا تفضل اللَّه
علیهم بأن یسقط عقابهم و یدخلهم الجنۀ حمدوا اللَّه علی ذلک.
« إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَ کُورٌ » و قیل: ما کان ینالهم فی دار الدنیا من أنواع الأحزان و الاهتمام بأمر المعاش و الخوف من الموت و غیر ذلک
لذنوب عباده إذا تابوا مجاز لهم علی شکرهم لنعمه. و قیل: إن مکافاته لهم علی الشکر لنعمه و القیام بطاعاته جري مجري أن یشکره
لهم و إن کان حقیقۀ لا یجوز علیه تعالی من حیث کان اعترافاً بالنعمۀ، و لا یصح علیه تعالی أن یکون منعماً علیه، ثم وصفوا اللَّه
أي أنزلنا دار المقامۀ یعنی دار الاقامۀ و إذا فتحت المیم کان المراد موضع القیام قال الشاعر: التبیان فی « الَّذِي أَحَلَّنا » تعالی بأن قالوا
صفحۀ 205 من 279
تفسیر القرآن، ج 8، ص: 432
«1» یومان یوم مقامات و اندیۀ و یوم سیر إلی الاعداء تأویب
یعنی اعیاء. و قیل: اللغوب العناء. و منه « وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ » یعنی تعب. و قال قتادة: معناه وجع « مِنْ فَضْ لِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ » و
.«2» « وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ » قوله تعالی
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 36 الی 40 ] ..... ص : 432
وَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَ لا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها کَ ذلِکَ نَجْزِي کُلَّ کَفُورٍ ( 36 ) وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ
فِیها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَیْرَ الَّذِي کُنَّا نَعْمَلُ أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْکُمْ ما یَتَذَکَّرُ فِیهِ مَنْ تَذَکَّرَ وَ جاءَکُمُ النَّذِیرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ
37 ) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ( 38 ) هُوَ الَّذِي جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ )
لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً ( 39 ) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ شُرَکاءَکُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِی السَّماواتِ أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً فَهُمْ عَلی بَیِّنَۀٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ یَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ
( غُرُوراً ( 40
__________________________________________________
1) اللسان (أوب). )
[.....] . 2) سورة 50 ق آیۀ 38 )
ص: 433
خمس آیات بلا خلاف.
بضم الیاء علی ما لم یسم فاعله. الباقون بالنون علی وجه الاخبار من اللَّه عن نفسه. و قرأ ابن کثیر و ابو « یجزي » قرأ ابو عمرو وحده
علی الجمع، لأنها مکتوبۀ فی المصاحف « بینات » الباقون «1» « فَقَدْ جاءَکُمْ بَیِّنَۀٌ مِنْ رَبِّکُمْ » بالتوحید لقوله « علی بینۀ » عمرو و حفص
و هو محمد صلی اللَّه علیه و آله. و یقال: «2» « حَتَّی تَأْتِیَهُمُ الْبَیِّنَۀُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ » بالألف و التاء، و البینۀ و البینات القرآن، و فی قوله
بان الشیء و أبان إذا تبین، فهو باین و مبین، و أبنته أنا و بینته لا غیر. و البینۀ وزنها (فیعلۀ) فاجتمع یاءان فأدغم إحداهما فی الأخري.
لما اخبر اللَّه تعالی عن أحوال اهل الآخرة و ما أعده لأهل الجنۀ من أنواع الثواب أخبر- هاهنا- عن حال الکفار و ما أعده لهم من ألیم
لا یُقْضی عَلَیْهِمْ » عقوبۀ لهم علی کفرهم یعذبون فیها « لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ » بوحدانیۀ اللَّه و جحدوا نبوة نبیه « وَ الَّذِینَ کَفَرُوا » العقاب فقال
معناه و لا ییسر علیهم « وَ لا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها » أي لا یحکم علیهم بالموت فیموتوا فیستریحوا، یقال قضی فلان إذا مات « فَیَمُوتُوا
جاحد لوحدانیته تعالی و مکذب لأنبیائه. « کَذلِکَ نَجْزِي کُلَّ کَفُورٍ » عذاب النار و لا یسهل علیهم و مثل هذا العذاب و نظیره
أي « وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ فِیها » ثم اخبر تعالی عن حال من هو فی النار فقال
__________________________________________________
. 1) سورة 6 الانعام آیۀ 157 )
. 2) سورة 98 البینۀ آیۀ 2 )
ص: 434
یتصایحون بالاستغاثۀ، فالاصطراخ الصیاح و النداء بالاستغاثۀ، و هو افتعال من الصراخ قلبت التاء طاء لأجل الصاد الساکنۀ قبلها، و إنما
« رَبَّنا أَخْرِجْنا » فعل ذلک لتعدیل الحروف بحرف وسط بین حرفین یوافق الصاد بالاستعلاء و الاطباق و یوافق التاء بالمخرج. و یقولون
من المعاصی، فیقول اللَّه « غَیْرَ الَّذِي کُنَّا نَعْمَلُ » یعنی نعمل بالطاعات و الاعمال الصالحات التی أمرنا بها « نَعْمَلْ صالِحاً » من عذاب النار
صفحۀ 206 من 279
فی دار الدنیا. و قال ابن عباس، و مسروق: العمر الذي ذکره اللَّه أربعون « أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْکُمْ » لهم- فی جوابه تبکیتا لهم و إنکاراً علیهم
سنۀ، و فی روایۀ أخري ستون سنۀ، و هو
أي عمرناکم مقدار ما یمکن أن یتذکر و یعتبر و ینظر و یفکر من یرید أن یتفکر و « ما یَتَذَکَّرُ فِیهِ مَنْ تَذَکَّرَ » قول علی علیه السلام
یعنی المخوف من معاصی اللَّه « وَ جاءَکُمُ النَّذِیرُ » یتذکر
معاشر الکفار عقاب کفرکم و « فَذُوقُوا » ، قال ابن زید: یعنی به محمداً صلی اللَّه علیه و آله و قال غیره: أراد الشیب. و قیل: الحمی
اي لیس لمن ظلم- و بخس نفسه حقها بارتکاب المعاصی- ناصر یدفع عنه العذاب. « فَما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ » معاصیکم
« عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ » ثم اخبر تعالی بأنه
« إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » لا یخفی علیه شیء مما غاب عن جمیع الخلائق علمه
و معناه اتقوا و احذروا أن تضمروا فی أنفسکم ما یکرهه اللَّه تعالی، فانه علیم بما فی الصدور لا یخفی علیه شیء منها.
أي « فَمَنْ کَفَرَ » معناه جعلکم معاشر الکفار أمۀ بعد أمۀ و قرناً بعد قرن. و هو قول قتادة « هُوَ الَّذِي جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ » و قوله
أي « وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً » دون غیره « کُفْرُهُ » عقاب « فَعَلَیْهِ » جحد وحدانیته و أنکر نبوة نبیه صلی اللَّه علیه و آله
لا یزیدهم کفرهم باللَّه عند اللَّه ص: 435
لأنهم یخسرون الجنۀ و یحصل لهم النار بدلا « کُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً » أیضاً « وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ » إلا أشد البغض لان المقت أشد البغض
قیل: معناه ادعوا شرکاءکم فی « قُلْ أَ رَأَیْتُمْ شُرَکاءَکُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ » ثم قال موبخاً لهم « و ذلِکَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ » منها
الأموال التی جعلتم لها قسطاً من السائبۀ و الوصیلۀ و الانعام و الحرث، و هی الأوثان. و قیل: شرکاءکم الذین اشرکتموهم فی العبادة
«؟ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِی السَّماواتِ » معناه أي شیء اخترعوه و أنشئوه فیدخل علیکم بذلک شبهۀ « أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ » مع الله
أي لهم شرکۀ فی خلق السموات؟ علی وجه المعاونۀ لله؟ (أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً)؟ أي أعطیناهم کتاباً أمرناهم فیه بما یفعلونه (فَهُمْ عَلی بَیِّنَۀٍ
مِنْهُ) اي من ذلک الکتاب، فان جمیع ذلک محال لا یمکنهم ادعاء شیء من ذلک، و لا إقامۀ حجۀ و لا شبهۀ علیه (بَلْ إِنْ یَعِدُ
الظَّالِمُونَ بَعْضُ هُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) و معناه لیس شیء من ذلک لکم، لیس یعد الظالمون أنفسهم بعضهم بعضاً إلا غروراً یغترون به و
زوراً یتعدون به، یقال: غره یغره غروراً إذا أطعمه فی ما لا یطمع فیه.
فان قیل: الآیۀ تدل أن الله سبحانه ینفرد بالخلق دون العباد، لأنه بین أن من تهیأ له الخلق فهو إله.
فکما لا یدل علی ان من کان له ید أو رجل یکون إلهاً، «1» ( قلنا: هذا کقوله (أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِها؟ أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها
فکذلک لا یجب ان یکون من یخلق یکون إلها علی انه بین المراد بالخلق، فقال (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) لا یقدر علی خلق الأرض و
لا علی شیء منه إلا الله تعالی علی أنا
__________________________________________________
. 1) سورة 7 الاعراف آیۀ 194 )
ص: 436
لانطلق اسم خالق إلا علی الله، و نقیده فی الواحد منا.
قوله تعالی:[سورة فاطر ( 35 ): الآیات 41 الی 45 ] ..... ص : 436
إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً ( 41 ) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَیْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِیرٌ لَیَکُونُنَّ أَهْدي مِنْ إِحْدَي الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ( 42 ) اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَ مَکْرَ السَّیِّئِ وَ
لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِ دَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَ لَنْ تَجِ دَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلًا ( 43 ) أَ وَ لَمْ
صفحۀ 207 من 279
یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَۀُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْءٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی
الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ عَلِیماً قَدِیراً ( 44 ) وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما کَسَ بُوا ما تَرَكَ عَلی ظَهْرِها مِنْ دَابَّۀٍ وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَ  می فَإِذا
( جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِعِبادِهِ بَصِیراً ( 45
خمس آیات کوفی و مکی و مدنی الأول. و ست شامی، و فی عدد إسماعیل. ص: 437
و سبع بصري. عد البصري و الشامی و إسماعیل (تبدیلا) و عد البصري قبله (تزولا) و لم یعد ذلک الباقون.
لما بین الله تعالی أن الأصنام لا تقدر علی شیء و أن لیس لها شرك فی السموات و الأرض، أخبر عن عظیم قدرته و سعۀ سلطانه
فقال (إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ) بأن یسکنها حالا بعد حال، و لا یقدر علی تسکینها غیره تعالی حال بعد حال، لأنه یسکنها بغیر عمد،
فالارضون ساکنۀ بلا عمد و السموات ساکنۀ باسکانه. و هی غیر الأفلاك التی تجري فیها النجوم، قال عبد الله بن مسعود ان السموات
لا تدور، و لو کانت تدور لکانت قد زالت. و منعهما بهذا التسکین من أن تزولا عن مواضعها او تهوي او تسقط، و معنی (أن تزولا)
کراهۀ أن تزولا. و قال الکوفیون: معناه ألا تزولا عن مراکزهما، فحذف (لا).
ثم قال (و لئن زالتا) معنی (لئن) (لو) و یوضع کل واحد منهما مکان الآخر، لأنهما یجابان بجواب واحد. و مثله (وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِیحاً
و معناه و (لو) و معنی (وَ لَئِنْ زالَتا) یعنی عن مقرهما (إِنْ أَمْسَ کَهُما مِنْ أَحَ دٍ مِنْ بَعْدِهِ) أي لیس یسکنها احد و لا «1» ( فَرَأَوْهُ مُصْفَ  را
یقدر علیه احد بعد الله تعالی (إِنَّهُ کانَ حَلِیماً) یعنی القادر الذي لا یعاجل واحداً بالعقوبۀ، و لا یحلم إلا قادر، لأن من لیس بقادر، لا
یصح ان یعاقب، فلا یحلم و إنما حلمه أناة بمن استحق العقوبۀ (غفوراً) أي ستاراً لذنوبهم إذا تابوا لا یفضحهم بها علی رؤس الأشهاد،
و (الغفور) الکثیر الغفران لذنوب عباده بالتوبۀ و بالتفضل لمن یشاء منهم.
ثم حکی عن الکفار أنهم (أَقْسَمُوا بِاللَّهِ) یعنی حلفوا به (جَهْدَ أَیْمانِهِمْ)
__________________________________________________
. 1) سورة 30 الروم آیۀ 51 )
ص: 438
أي غایۀ وسعهم و طاقتهم (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِیرٌ) أي مخوف من جهۀ الله یخوفهم من معاصیه (لَیَکُونُنَّ أَهْدي إلی اتباعه و القبول منه (مِنْ
إلا » مجیئه « ما زادهم » إِحْدَي الْأُمَمِ) الماضیۀ و أسبق إلی اتباعه (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ) أي محمد صلی اللَّه علیه و آله جاءهم یخوفهم باللَّه
أي ازدادوا عند مجیئه نفوراً عن الحق و هرباً منه لا أن مجیئه زادهم ذلک. ثم بین تعالی انهم ینفرون عند مجیء النبی « نفوراً
أي و حیلۀ الأفعال القبیحۀ و المعاصی « و مکر السیء » من أن یقروا بالحق « فی الأرض » أي طلباً للکبر و التجبر علی غیرهم « استکباراً »
و «1» « لحق الیقین » لأنهم قصدوا بذلک الفرار من اتباع محمد و الایمان به، و السیء الشرك- فی قول قتادة- و أضیف الیه کما قال
و قد سکن حمزة وحده الهمزة. الباقون جروها بالاضافۀ. و التسکین لحن عندهم اعنی « و مکراً سیئاً » فی قراءة عبد اللَّه بن مسعود
البصریین، لا یجوز ان یقرأ به. و قیل الوجه فی تسکین حمزة کثرة الحرکات فی الکلام، کما قال الشاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
فسکن الباء لکثرة الحرکات، و الصحیح الأول، لأن مثل هذا إنما یجوز فی ضرورة الشعر، قال ابو علی النحوي: یجوز أن یکون أجراه
فی الوصل مجري الوقف، و تقدیر و مکرراً المکر السیء، فأضیف المصدر إلی صفۀ المصدر، و تقدیره و مکروا المکر السیء بدلالۀ
إِلَّا سُنَّتَ » أي فهل ینتظرون « فهل ینظرون » و معناه لا ینزل بأحد جزاء المکر السیء إلا بمن فعله « وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ » قوله
یا محمد و المراد به « فلن تجد » من نزول العقاب بهم و حلول النقمۀ علیهم جزاء علی کفرهم، فان کانوا ینتظرون ذلک « الْأَوَّلِینَ
__________________________________________________
. 1) سورة 69 الحاقۀ 51 )
صفحۀ 208 من 279
ص: 439
و لا یبدلها بغیرها، فالتبدیل « وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلًا » أي لا یغیر اللَّه عادته من عقوبۀ من جحد ربوبیته « لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلًا » الکفار
تصیر الشیء مکان غیره، و التحویل تصیر الشیء فی غیر المکان الذي کان فیه، و التغییر تصییر الشیء علی خلاف ما کان.
فَیَنْظُرُوا کَیْفَ » یعنی هؤلاء الکفار الذین أنکروا إهلاك اللَّه الأمم الماضیۀ، أما ساروا فی الأرض « أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ » ثم قال
فِی » إذ لم یکن یفوته شیء « قُوَّةً وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْءٍ » من هؤلاء « أشد منهم » أولئک « کانَ عاقِبَۀُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ کانُوا
عالماً بجمیع الأشیاء (قدیراً) قادراً علی ما لا نهایۀ له، و یقدر علی أجناس لا یقدرون علیها. « السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ عَلِیماً
ثم اخبر تعالی ممننا علی الناس بتأخیر عقابهم بان قال (وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما کَسَبُوا) أي جزاء علی معاصیهم عاجلا (ما تَرَكَ عَلی
ظَهْرِها) ظهر الأرض (من دابۀ) تدبّ علی رجلیها (وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ) یعنی إلی الوقت المعلوم الذي قدره لتعذیبهم (فَإِذا جاءَ
أَجَلُهُمْ) یعنی الوقت المقدر المعلوم (فان اللَّه) تعالی (کانَ بِعِبادِهِ بَصِ یراً) أي عالماً بأحوالهم لا یخفی علیه شیء منها فیجازي کل
انسان علی قدر فعله من طاعۀ او معصیۀ، و الضمیر فی قوله (علی ظهرها) عائد إلی الأرض و إن لم یجر لها ذکر لدلالۀ الکلام علیه،
لأنه معلوم أنهم علی ظهر الأرض دون غیرها، علی أنه قد تقدم قوله (أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ) و فی قوله (إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ
وَ الْأَرْضَ) فیجوز أن یرد الکنایۀ الیها.
ص: 440
-36 سورة یس ..... ص : 440
اشارة
فی قول مجاهد و قتادة و الحسن: لیس فیها ناسخ و لا منسوخ. و قال ابن عباس: آیۀ منها مدنیۀ و هی قوله (وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا
رَزَقَکُمُ اللَّهُ) و هی ثلاث و ثمانون آیۀ کوفی. و اثنان و ثمانون آیۀ فی ما عداه.
[سورة یس ( 36 ): الآیات 1 الی 10 ] ..... ص : 440
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( یس ( 1) وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ ( 2) إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ ( 3) عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ ( 4
تَنْزِیلَ الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ ( 5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ ( 6) لَقَدْ حَ قَّ الْقَوْلُ عَلی أَکْثَرِهِمْ فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ ( 7) إِنَّا جَعَلْنا فِی
( أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ( 8) وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَ  دا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَ  دا فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ ( 9
( وَ سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ ( 10
عشر آیات کوفی و تسع فی ما عداه عدّ الکوفی (یس) و لم یعده الباقون. ص: 441
قرأ الکسائی بامالۀ الألف من (یاسین) و کذلک حمزة إلا انه أقل إمالۀ الباقون بغیر امالۀ. و قرأ ابن کثیر و نافع و ابو عمرو و ابو بکر
عن عاصم (تنزیل العزیز الرحیم) بالرفع الباقون بالنصب. فمن رفع، فعلی تقدیر (ذلک) تنزیل العزیز، و من نصب، فعلی تقدیر (نزل)
تنزیل العزیز الرحیم.
و قرأ اهل الکوفۀ إلا أبا بکر (سداً) بفتح السین فی الموضعین. الباقون بضمها، و هما لغتان. و قال ابو عمرو: و ما کان من فعل اللَّه، فهو
بالفتح.
و عد أهل الکوفۀ (یس) آیۀ و لم یعدوا (طس) لأن (طاسین) أشبه قابیل و هابیل فی الوزن، و الحروف الصحاح، و لم یشبهها (یاسین)
صفحۀ 209 من 279
لأن أوله حرف من حروف العلۀ و لیس مثل ذلک فی الأسماء المفردة، فأشبه الجملۀ و الکلام التام و شاکل ما بعده من رؤس الآي. و
قد مضی فی ما تقدم أن افتتاح أوائل السور بأمثال هذه الحروف الأقوي فیها أنها اسماء للسور. و قیل: إنها اسماء القرآن، و قیل إنها
حروف إذا جمعت انبأت عن اسم اللّه الأعظم، و غیر ذلک من الأقاویل لا نطول بذکره. و قال الحسن: معناه یا رجل. و قال محمد بن
الحنفیۀ (یس) معناه یا إنسان یا محمد، و
روي عن علی علیه السلام أنه قال سمی اللَّه تعالی النبی صلی اللَّه علیه و آله فی القرآن بسبعۀ اسماء: محمد، و أحمد، و طه، و یس، و
المزمل، و المدثر، و عبد اللَّه،
و قیل: معناه بالسریانیۀ یا إنسان. و قیل: معناه یا سید الأولین و الآخرین. و أخفی النون من (یاسین) الکسائی و ابو بکر عن عاصم.
الباقون ببیان النون، و هو الأجود لأن حروف الهجاء ینوي بها السکت و الانقطاع عما بعدها. و من قال بالأول قال لان النون و التنوین
إنما یظهران عند حروف الحلق ص: 442
و لیس هاهنا شیء منها.
و قوله (وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ) قسم من اللَّه تعالی بهذا القرآن وصفه بأنه حکیم من حیث أن فیه الحکمۀ، فصار ذلک بمنزلۀ الناطق به
للبیان عن الحق الذي یعمل به. و الحکمۀ قد تکون المعرفۀ، و قد تکون ما یدعو إلی المعرفۀ، و أصله المنع من الخلل و الفساد،
فالمعرفۀ تدعو إلی ما أدي إلی الحق من برهان أو بیان قال الشاعر:
«1» أبنی حنفیۀ احکموا سفهاءکم إنی أخاف علیکم أن اغضبا
أي امنعوهم. و قال قوم: إنما أقسم اللَّه بالقرآن الحکیم لعظم شأنه و موضع العبرة به و الفائدة فیه، و المقسم علیه قوله (إِنَّکَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِینَ) أقسم تعالی أن النبی صلی اللَّه علیه و آله ممن أرسله اللَّه بالنبوة و الرسالۀ، و أنه (عَلی صِ راطٍ مُسْتَقِیمٍ) و هو طریق الحق
المستقیم الذي یؤدي إلی الجنۀ (تَنْزِیلَ الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ) من رفع فعلی تقدیر ذلک تنزیل، و من نصب فعلی تقدیر نزل تنزیل. و موضع
(عَلی صِ راطٍ مُسْتَقِیمٍ) یجوز ان یکون رفعاً علی انه خبر، کأنه قال إنک علی صراط مستقیم، و یجوز أن یکون نصباً علی الحال
للارسال، کأنه قال: أرسلوا مستقیماً طریقتهم.
و قوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً) معناه إنه أنزل القرآن لتخوف به من معاصی اللَّه قوماً (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) من قبل أراد به قریشاً أنذروا بنبوة محمد، و
قیل:
فی معناه قولان:
أحدهما- قال عکرمۀ: معناه لتنذر قوماً مثل الذي أنذر آباؤهم.
الثانی- قال قتادة: معناه لتنذر قوماً لم ینذر آباؤهم قبلهم- یعنی فی
__________________________________________________
.440 / 512 و 6 / 496 و 5 / 188 و 4 / 142 و 2 / 1) مر فی 1 )
ص: 443
زمان الفترة بین عیسی و محمد علیهما السلام (فَهُمْ غافِلُونَ) عما تضمنه القرآن و عما أنذر اللَّه من نزول العذاب. و مثل الغفلۀ السهو،
و هو ذهاب المعنی عن النفس و مثله النسیان و هو ذهاب الشیء عن النفس بعد حضوره فیها.
ثم اخبر تعالی مقسما انه (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلی أَکْثَرِهِمْ) اي وجب باستحقاق العقاب بإدخالهم النار (فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ) لذلک، و قد سبق
فی علم اللَّه. ثم اخبر تعالی فقال (إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا) أي جعل الغل فی أعناقهم و هو جمع عنق (فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ) و الأذقان
جمع ذقن و هو مجمع اللحیین. و قیل بأیمانهم إلی أذقانهم، فکنی عنها، لأنها معلومۀ. و قیل:
التقدیر بالاغلال بالایمان إلی الأذقان فهو محذوف، قال الشاعر:
صفحۀ 210 من 279
و ما أدري إذا یممت أرضاً أرید الخیر أیهما یلینی
«1» أ الخیر الذي أنا أبتغیه أم الشر الذي لا یأتلینی
(فَهُمْ مُقْمَحُونَ) فالمقمح الغاض بصره بعد رفع رأسه، و قیل هو المقنع و هو الذي یجذب ذقنه حتی تصیر فی صدره ثم یرفع. و القمح
من هذا و هو رفع الشیء إلی الفم، و البعیر القامح الذي إذا أورده الماء فی الشتاء رفع رأسه و شال به نصباً لشدة البرد، قال الشاعر:
«2» و نحن علی جوانبها قعود نغض الطرف کالإبل القماح
و قیل: قد رفعوا رؤسهم و شخصوا بأبصارهم- ذکره مجاهد- ثم قال (وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَ  دا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَ  دا) و معناه سداً عن
الحق- فی قول مجاهد و قتادة- اي علی جهۀ الذم لهم، وصفهم بذلک لا أنهم منعوا منه و کذلک ذکر الاغلال کما قال الأفوه
الازدي:
__________________________________________________
.391 / 529 و 6 / 113 و 5 / 1) مر فی 2 )
2) اللسان (قمح). )
ص: 444
کیف الرشاد إذا ما کنت فی نفر لهم عن الرشد أغلال و اقیاد
و فی تأویل الآیات قولان:
أحدهما- انه جعل جهلهم و ذهابهم عن معرفۀ الحق غلا و سداً إذا کان المغلول الممنوع من التصرف امامه و وراءه ذاهب عما قد منع
منه و حیل بینه و بین الدلیل علیه إن اللَّه تعالی لم یجعل الکافر مغلولا فی الحقیقۀ و لا مسدوداً بین یدیه و من خلفه و لا فی عینه
شبهه بمن فی أذنیه وقر، فعلمنا بهذا «1» ( غشاوة، کقوله تعالی (وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً
التشبیه أنه إنما یرید بوصف الکفار بالوقر و الکن و الغل و السد التشبیه الذي عناه- هاهنا- و لو کان فی إذن الکافر وقر علی الحقیقۀ
لم یجز تشبیهه بمن فی أذنیه وقر، و هو کقولهم للجاهل: حمار و ثور، و إنما یریدون المبالغۀ فی وصفه بالجهل. و معنی (جعلنا)
یحتمل وجهین أحدهما- انه کما شبههم بمن جعله مغلولا مقیداً أجري علیه صفۀ الجعل بأنه مشبه للمجعول مغلولا مقیداً. و الثانی- انه
أراد البیان عن الحالۀ التی شبه بها المغلول المقید، کما یقول القائل: جعلنی فلان حماراً و جعلنی میتاً إذا وصفه بالحماریۀ و الموت و
شبهه بالحمار و المیت و هذا واضح.
و الوجه الثانی- فی تأویل الآیات انه أراد وصف حالهم فی الآخرة، لأنه تعالی یوثقهم فی الاغلال و السلاسل، کما قال تعالی (خُ ذُوهُ
و قال فی السد «3» ( و قال (إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ فِی الْحَمِیمِ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ «2» ( فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ
الذي جعله لهم: فلا یبصرون کما قال
__________________________________________________
. 1) سورة 31 لقمان آیۀ 7 )
.31 - 2) سورة 69 الحاقۀ آیۀ 30 )
.72 - 3) سورة 40 المؤمن آیۀ 71 )
ص: 445
(یَوْمَ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِینَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قِیلَ: ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُ رِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ
فلما «2» ( و قال (وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَۀِ عَلی وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَ بُکْماً وَ صُ  ما مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ «1» ( باطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَۀُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ
کانت هذه حال الکفار فی الآخرة، وصف حالهم فی الدنیا.
صفحۀ 211 من 279
و الاقناع هو رفع الرأس و اشخاصه فقد صح «3» ( و قوله (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) فقد فسرناه فی آیۀ اخري و هی قوله (مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُؤُسِهِمْ
بما بیناه کلا الوجهین فی الآیۀ و زالت الشبهۀ بحمد اللَّه. و قال السدي: إن ناساً من قریش ائتمروا علی قتل النبی صلی اللَّه علیه و آله
فلما جاءوه جعلت أیدیهم إلی أعناقهم فلم یستطیعوا ان یبسطوا الیه یداً. و قال قوم: حال الله بینهم و بین ما أرادوا فعبر عن ذلک بأنه
غلت أیدیهم. و قال البلخی: یجوز ان یکون المراد (جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا) من الآیات و البینات (وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَ  دا وَ مِنْ
خَلْفِهِمْ سَ  دا) منها (فأغشیناهم) بها (فهم) مع ذلک (لا یبصرون) بدلیل قوله (أَ فَلَمْ یَرَوْا إِلی ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ
و قرأ ابن مسعود و ابن عباس (انا جعلنا فی ایمانهم أغلالا) لأن الغل لا یکون فی العنق دون الید، و لا فی الید دون العنق، «4» ( الْأَرْضِ
و المعنی إنا جعلنا فی أعناقهم و فی أیمانهم أغلالا و قوله (فهی) کنایۀ عن الایدي لا عن الاعناق، لأن الغل یجعل الید تلی الذقن، و
العنق و العنق هو مقارب الذقن، لان الغل یجعل العنق إلی الذقن.
__________________________________________________
. 1) سورة 57 الحدید آیۀ 13 )
. 2) سورة 17 الإسراء آیۀ 97 )
[.....] . 3) سورة 14 ابراهیم آیۀ 43 )
. 4) سورة 34 سبأ آیۀ 9 )
ص: 446
و قرأ الحسن (فأغشیناهم) بالعین المهملۀ، و هو ما یلحق من ضعف البصر و قیل: الآیۀ نزلت فی أبی جهل، لأنه همّ بقتل النبی صلی
اللَّه علیه و آله فکان إذا خرج باللیل لا یراه، و یحول اللَّه بینه و بینه. و قیل: السد فعل الإنسان، و السد بالضم خلقه تعالی (فَأَغْشَ یْناهُمْ
فَهُمْ لا یُبْصِ رُونَ) أي حکمنا علیهم بأنهم کمن غشی بصره فهم لا یبصرون لذلک. و قیل: أغشیناهم بظلمۀ الکفر فهم لا یبصرون
الهدي. و قیل: بظلمۀ اللیل فهم لا یبصرون النبی صلی اللَّه علیه و آله. ثم قال (سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ) یا محمد و خوفتهم (أم لم
تنذرهم) و تخوفهم بالعقاب (فهم لا یؤمنون) للعناد و ترك الالتفات و الفکر فی ما یخوفهم منه، فاستوي علمه تعالی فی ترکهم
الایمان و عدولهم عنه إلی الکفر بسوء اختیارهم.
قوله تعالی: [سورة یس ( 36 ): الآیات 11 الی 15 ] ..... ص : 446
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ وَ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ کَرِیمٍ ( 11 ) إِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی وَ نَکْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ
کُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ ( 12 ) وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْیَۀِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ فَکَذَّبُوهُما
( فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَیْکُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَکْذِبُونَ ( 15
خمس آیات. ص: 447
قرأ أبو بکر عن عاصم (فعززنا) مخففاً بمعنی فقهرنا من قولهم: من عزیز الباقون بالتشدید یعنی قوینا الاثنین بثالث معیناً، لما قال اللَّه
تعالی لنبیه صلی اللَّه علیه و آله إن هؤلاء الکفار لا یؤمنون أبداً و أخبره بأنه سواء علیهم الانذار و ترك الانذار بین هاهنا حال من
ینتفع بالإنذار فقال (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ) و معناه إنما ینتفع بانذارك و تخویفک من اتبع الذکر، لان نفس الانذار قد حصل
للجمیع و أضافه- هاهنا- إلی من اتبع الذکر لما کانوا المنتفعین به، کما قال (هدي للمتقین). و الذکر المذکور- هاهنا- القرآن- فی
قول قتادة- (وَ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ) قیل فی معناه قولان:
أحدهما- و خشی الرحمن و خاف ارتکاب معاصیه فی غیبه عن الناس.
و الثانی- و خشی الرحمن فی ما غاب عنه من الآخرة و أمرها.
صفحۀ 212 من 279
ثم قال لنبیه من هذه صفته (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) من اللَّه لذنوبه (و اجر) أي ثواب (کَرِیمٍ) و هو ما یفعله اللَّه علی وجه الإجلال و الإکرام. و
قیل: الأجر الکریم الجنۀ.
ثم اخبر تعالی عن نفسه فقال (إِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی بعد أن افنیناهم (وَ نَکْتُبُ ما قَدَّمُوا) من طاعاتهم و معاصیهم فی دار الدنیا، و هو
قول مجاهد و قتادة (و آثارهم) قال مجاهد: یعنی خطاهم إلی المساجد، لان بنی سلمۀ من الأنصار شکوا إلی رسول اللَّه صلی اللَّه
علیه و آله بعد منازلهم من المسجد و الصلاة مع رسول اللَّه، فنزلت فیهم الآیۀ. و قیل: معناه و آثارهم التی تبقی بعدهم و یقتدي بهم
فیها.
ثم قال (وَ کُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ) و معناه أحصیناه فی کتاب ظاهر، و هو اللوح المحفوظ. و الوجه فی احصاء ذلک فی إمام
مبین اعتبار ص: 448
الملائکۀ به إذا قابلوا به ما یحدث من الأمور، و کان فیه دلیل علی معلومات اللَّه علی التفصیل.
ثم قال لنبیه صلی اللَّه علیه و آله (وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا) معنان اذکر لهم مثلا. و قیل:
معناه مثل لهم مثلا، من قولهم: هؤلاء اضراب أي أمثال. و قوله (اصحاب القریۀ) قال عکرمۀ و الفراء: هی انطاکیۀ (إِذْ جاءَهَا
الْمُرْسَلُونَ) اي حیث بعث اللَّه الیهم بالرسل (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ) یعنی رسولین، و قال قوم:
کانا رسولی عیسی من حواریه. و قال آخرون: کانا رسولین من رسل اللَّه و هو الظاهر (فکذبوهما) أي جحدوا نبوتهما (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ)
أي فعززهما اللَّه بثالث فیمن قرأ بالتشدید و شد ظهرهما به- فی قول مجاهد و ابن زید- و من خفف أراد فغلب اللَّه بثالث أرسله الیهم
(فقالوا) لهم یا اهل القریۀ (إِنَّا إِلَیْکُمْ مُرْسَلُونَ) أرسلنا اللَّه إلیکم (قالوا) لهم (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي لیس أنتم إلا بشر أمثالنا، فدخلت
علیهم الشبهۀ فاعتقدوا أنه من حیث انهم أمثالهم فی البشریۀ لا یصلح ان یکونوا رسلا کما لا یصلحون هم لذلک (وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ
مِنْ شَیْءٍ) مما تذکرونه و تدعونا الیه (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَکْذِبُونَ) أي لیس أنتم إلا کاذبون علی الله و متخرصون علیه فی ادعائکم الرسالۀ، و
و أنه تعالی علم من حال هؤلاء صلاحهم للرسالۀ و تحملهم لاعبائها و لم «1» ( ذهب عنهم معنی (اخْتَرْناهُمْ عَلی عِلْمٍ عَلَی الْعالَمِینَ
یعلم ذلک من حالهم بل علی خلاف ذلک.
__________________________________________________
. 1) سورة 44 الدخان آیۀ 32 )
ص: 449
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 16 الی 20 ] ..... ص : 449
قالُوا رَبُّنا یَعْلَمُ إِنَّا إِلَیْکُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَ ما عَلَیْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ ( 17 ) قالُوا إِنَّا تَطَیَّرْنا بِکُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّکُمْ وَ لَیَمَسَّنَّکُمْ مِنَّا
عَذابٌ أَلِیمٌ ( 18 ) قالُوا طائِرُکُمْ مَعَکُمْ أَ إِنْ ذُکِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ( 19 ) وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَۀِ رَجُلٌ یَسْعی قالَ یا قَوْمِ اتَّبِعُوا
( الْمُرْسَلِینَ ( 20
خمس آیات لما حکی اللَّه تعالی عن اهل القریۀ انهم قالوا للرسل (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَکْذِبُونَ) فی ادعائکم الرسالۀ علی اللَّه حکی ما أجابهم
به الرسل فإنهم (قالُوا رَبُّنا یَعْلَمُ إِنَّا إِلَیْکُمْ لَمُرْسَلُونَ) و وجه الاحتجاج بذلک انه یلزمهم بقولهم الحذر من مخالفتهم و النظر فی
معجزاتهم لیعلموا انهم صادقون علی اللَّه، ففی ذلک تحذیر شدید. ثم قال الرسل لهم أیضاً (وَ ما عَلَیْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ) أي لیس
یلزمنا اکثر من البلاغ المبین، و المعنی انه لو جاءکم رسول غیرنا هل کان علیه إلا البلاغ؟ علی حد ما بلغنا. و البلاغ مجیء الشیء إلی
حدّ یقف عنده، بلغ الشیء یبلغ بلوغاً و بلاغاً، فهو بالغ. و منه البلاغۀ، و مثل الإبلاغ الافهام و الإیصال. و المبین صفۀ للبلاغ، و هو
الظاهر الذي لا شبهۀ فیه، فقالوا لهم فی الجواب عن ذلک حین عجزوا عن إیراد شبهتم، و عدلوا عن النظر فی معجزهم (إِنَّا تَطَیَّرْنا
صفحۀ 213 من 279
بِکُمْ) أي تشاءمنا بکم، و التطیر التشاؤم. ثم هددوهم فقالوا (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عن ص: 450
ما تدّعونه من النبوة و الرسالۀ (لنرجمنکم) بالحجارة- فی قول قتادة- و قال مجاهد: معناه لنشتمنکم: فالرجم الرمی بالحجارة، یقال:
رجم یرجم رجماً، و رجم بالغیب ترجیماً (وَ لَیَمَسَّنَّکُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِیمٌ) عند ذلک، فقال لهم الرسل (طائرکم معکم) أي الشؤم کله
معکم بإقامتکم علی الکفر باللَّه. و قال الفراء:
معنی (طائرکم معکم) أي أعمالکم فی رقابکم تجازون علیها. و قال المبرد:
معنی (طائرکم) حظکم و نصیبکم من الخیر و الشر. و هو قول أبی عبیدة. و الطیرة الشؤم. و منه
قوله صلی اللَّه علیه و آله (لا عدوي و لا هامۀ و لا صقر و لا غلول).
و فلان لا یطیر غرابه، و هو ساکن الطائر، إذا کان ساکناً وقوراً، و فلان لا یطور بنا أي لا یقربنا، و ما فی الدار طوري و لا طورانی أي
لا أحد. و عدا فلان طوره إذا جاوز قدره.
و قوله (ائن ذکرتم) قرأه ابن کثیر و نافع و ابو عمرو و المفضل عن عاصم- بهمزة بعدها یاء- و هی همزة بین بین. و الباقون بهمزتین
مخففتین: إحداهما همزة الاستفهام، و الاخري- همزة (إن) و جواب (ائن ذکرتم) محذوف و تقدیره أئن ذکرتم هذا القول. و قال
قوم: معناه أئن ذکرتم طائرکم معکم و قال قوم: جعله جزاء قدم خبره علیه لما کان غیر مجزوم اللفظ. و قیل: أئن ذکرتم تطیرکم قلتم
ما قلتم، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) علی نفوسکم، لأنکم تجاوزتم حد العصیان حین کفرتم باللَّه و بوحدانیته. و قیل: کان اسم صاحب
(یس) الذي قتله قومه حبیب بن مري.
حکی اللَّه تعالی انه (جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَۀِ رَجُلٌ یَسْعی أي رجل من أبعد المدینۀ جاء یعدوا و یشتد (ف قالَ یا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ)
الذین أرسلهم اللَّه إلیکم و أقروا بنبوتهم و برسالتهم. و قرأ ابو جعفر (أئن) بفتح الهمزة الثانیۀ. ص: 451
و به قال زوین بن حبیش. و معناه لان ذکرتم. الباقون بکسرها. و قرأ ابو جعفر (ذکرتم) بالتخفیف. الباقون بتشدیدها.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 21 الی 30 ] ..... ص : 451
اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْئَلُکُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ ( 21 ) وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِی وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ ( 22 ) أَ أَتَّخِ ذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَۀً إِنْ یُرِدْنِ
( الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفاعَتُهُمْ شَیْئاً وَ لا یُنْقِذُونِ ( 23 ) إِنِّی إِذاً لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ ( 24 ) إِنِّی آمَنْتُ بِرَبِّکُمْ فَاسْمَعُونِ ( 25
قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّۀَ قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ ( 26 ) بِما غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ ( 27 ) وَ ما أَنْزَلْنا عَلی قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ
مِنَ السَّماءِ وَ ما کُنَّا مُنْزِلِینَ ( 28 ) إِنْ کانَتْ إِلاَّ صَیْحَۀً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ( 29 ) یا حَسْرَةً عَلَی الْعِبادِ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ
( یَسْتَهْزِؤُنَ ( 30
عشر آیات.
قرأ ابو جعفر (ان کانت إلا صیحۀ) بالرفع فی الموضعین جعلها اسم (کان). الباقون بالنصب علی انها خبر کان.
لما حکی اللَّه تعالی ما قال لهؤلاء الکفار الرجل الذي جاءهم من أقصی المدینۀ و أمرهم بأن یتبعوا الرسل قال لهم ایضاً (اتبعوا) معاشر
الکفار (مَنْ ص: 452
لا یَسْئَلُکُمْ أَجْراً)
أي لا یطلب الأجر و الجزاء و المکافأة علی ما یدعوکم الیه و یحثکم علیه، و إنما یدعوکم نصیحۀ لکم (و هم) مع ذلک (مهتدون)
إلی طریق الحق سالکون سبیله. ثم قال لهم الذي وعظهم و حثهم علی طاعۀ اللَّه و اتباع رسله (وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِی) و معناه و
لم لا أعبد اللَّه و اتبع رسله، و ما لی لا أعبد الذي فطرنی، و معناه و لم لا أعبد اللَّه الذي خلقنی و ابتدانی و هدانی (وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ)
أي الذي تردون الیه یوم القیامۀ حیث لا یملک الأمر و النهی غیره. ثم قال لهم منکراً علی قومه عبادتهم غیر اللَّه (أ أتخذ) أنا علی
صفحۀ 214 من 279
قولکم (مِنْ دُونِ اللَّهِ) الذي فطرنی و أنعم علی (آلهۀ) أعبدهم؟! فهذه همزة الاستفهام و المراد بها الإنکار، لأنه لا جواب لها علی
أصلهم إلا ما هو منکر فی العقول ثم قال (إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) معناه ان أراد اللَّه إهلاکی و الإضرار بی لا ینفعنی شفاعۀ هذه الآلهۀ
شیئاً، و لا یقدرون علی انقاذي من ذلک الضرر.
و لا یغنون عنی شیئاً فی هذا الباب. و إذا کانوا بهذه الصفۀ کیف یستحقون العبادة؟! ثم قال (إِنِّی إِذاً لَفِی ضَ لالٍ مُبِینٍ) أي إذاً لو
فعلت ما تفعلونه و تدعون الیه من عبادة غیر اللَّه أکن فی عدول عن الحق. و الوجه فی هذا الاحتجاج أن العبادة لا یستحقها إلا من
أنعم بأصول النعم و یفعل من التفضل ما لا یوازیه نعم منعم، فإذا کانت هذه الأصنام لا یصح فیها ذلک کیف تستحق العبادة؟! ثم قال
مخبراً عن نفسه مخاطباً لقومه (إنی آمنت) أي صدقت (بربکم) الذي خلقکم و أخرجکم من العدم إلی الوجود (فاسمعون) منی هذا
القول.
و قیل: انه خاطب الرسل بهذا القول لیشهدوا له بذلک عند اللَّه. و قال ابن مسعود: إن قومه لما سمعوا منه هذا القول وطؤه بأرجلهم
حتی مات. و قال ص: 453
قتادة: رجموه حتی قتلوه. و قال الحسن: لما أراد القوم أن یقتلوه رفعه اللَّه الیه فهو فی الجنۀ، و لا یموت إلا بفناء السماء و هلاك
الجنۀ. قال مجاهد: مثل ذلک. و قالا الجنۀ التی دخلها یجوز هلاکها. و قال قوم: إنهم قتلوه إلا أن اللَّه أحیاه و ادخله الجنۀ و قال
الحسن (من بعده) یعنی من بعد رفعه. و قال غیره:
من بعد قتله.
ثم حکی اللَّه تعالی ما یقول الملائکۀ لهذا الداعی من البشارة له بعد موته فإنهم یقولون له (ادْخُلِ الْجَنَّۀَ) مثاباً مستحقاً للثواب الجزیل
علی إیمانک باللَّه فیقول حینئذ (یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِی رَبِّی) من الذنوب (وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ) عنده. فهذا المؤمن تمنی
أن یعلم قومه بما أعطاه اللَّه تعالی فیرغبوا فیه و یؤمنوا به لینالوا مثله. و الإکرام هو إعطاء المنزلۀ الرفیعۀ علی وجه التعظیم و التبجیل. و
لأنه سبب یؤدي إلی الجنۀ. «1» ( قد فاز من أکرمه اللَّه بالرضوان، کما قال تعالی (وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ
ثم حکی ما قال و انزل بهؤلاء الکفار من العذاب و الاستئصال، فقال (وَ ما أَنْزَلْنا عَلی قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) أي کان
هالکین بتلف أنفسهم، و « خامدین » إهلاکهم عن آخرهم بأیسر أمر: صیحۀ واحدة حتی صاروا خامدین ذکره ابن مسعود و معنی
« إِلَّا صَ یْحَۀً واحِ دَةً » لهم لیهلکوهم، و ما کان إهلاکهم « وَ ما کُنَّا مُنْزِلِینَ » المعنی إنا لم نستعن علی إهلاکهم بانزال الجند من السماء
عظیمۀ فحین سمعوها هلکوا من عظمها، و ماتوا من فزعها.
قیل: هو قول الذي جاء من أقصی المدینۀ « یا حَسْرَةً عَلَی الْعِبادِ » و قوله
__________________________________________________
. 1) سورة 9 التوبۀ آیۀ 73 )
ص: 454
- ذکره البلخی- و قال غیره: معناه یحتمل شیئین:
أحدهما- یا حسرة من العباد علی أنفسهم- ذکره قتادة و مجاهد-.
أي لیس یأتیهم من رسول من « ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ » الثانی- انهم قد حلوا محل من یتحسر علیه، و قال ابن عباس: معناه یا ویلا للعباد
أي یسخرون منه و یهزءون به، و الذي حکی اللَّه تعالی عنه مخاطباً قومه هو ما قدمناه ذکره: حبیب بن « إِلَّا کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ » عند اللَّه
مري- فی اقوال المفسرین.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 31 الی 35 ] ..... ص : 454
صفحۀ 215 من 279
أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ ( 31 ) وَ إِنْ کُلٌّ لَمَّا جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْ َ ض رُونَ ( 32 ) وَ آیَۀٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَیْتَۀُ
أَحْیَیْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبا فَمِنْهُ یَأْکُلُونَ ( 33 ) وَ جَعَلْنا فِیها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِیها مِنَ الْعُیُونِ ( 34 ) لِیَأْکُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما
( عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ أَ فَلا یَشْکُرُونَ ( 35
خمس آیات بلا خلاف.
بتشدید المیم، الباقون بتخفیفها. « لما » قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة
بالتشدید، لأنه یقال: لما کان حیاً و مات میت بالتشدید، و لما لم یکن حیاً بالتخفیف- ذکره الفراء- و قرأ « المیتۀ » و قرأ اهل المدینۀ
بغیر هاء. الباقون بالهاء. من قرأ (لما) بالتخفیف فانه یکون (ما) فی قوله (لما) صلۀ مؤکدة، و تکون « و ما عملت » اهل الکوفۀ إلا حفصاً
(ان) هی المخففۀ من الثقیلۀ ص: 455
و تقدیره، و إن کل لجمیع لدینا محضرون، و من قرأ بالتشدید یحتمل شیئین:
أحدهما- ان یکون بمعنی (إلا) و تقدیره و ان کل إلا لجمیع لدینا محضرون و تکون (إن) بمعنی الجحد، و کأنه جحد دخل علی
جحد، فخرج الی معنی الإثبات. و مثله فی الاستعمال سألتک لما فعلت، بمعنی الا فعلت.
و الوجه الثانی- أن یکون معنی (لما) بمعنی (لمن ما) فحذفت احدي المیمات، لأجل التضعیف کما قال الشاعر:
غداة طفت علماء بکر بن وائل و عجنا صدور الخیل نحو تمیم
یحتمل ثلاثۀ أوجه: « وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ » أراد علی الماء، فحذف لالتقاء المضاعف، و أما (ما) فی قوله
أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ » أحدها- أن یکون بمعنی الجحد، و تقدیره لیأکلوا من ثمره، و لم تعمله أیدیهم، و یقوي ذلک قوله
.«1» « تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ
و الثانی- ان یکون بمعنی الذي.
و الثالث- أن یکون مع ما بعده بمعنی المصدر، فعلی هذا یکون فی موضع جر، و تقدیره لیأکلوا من ثمره و من الذي عملته او من
عمل أیدیهم من انواع الطعوم الذي أنبتوه، و الذي غرسوه، و من الذي یطحنونه و یخبزونه، فمن أثبت الهاء او حذفها تبع المصاحف،
لان المصاحف مختلفۀ. و الهاء عائدة علی (ما) و (عملت) صلتها. و من حذف اختصر، لأنها للمفعول به، و کل مفعول یجوز حذفه،
یرید و ما قلاك «2» ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی » کقوله
__________________________________________________
.64 - 1) سورة 56 المواقعۀ آیۀ 63 )
. 2) سورة 93 الضحی آیۀ 3 )
ص: 456
یرید بعثه الله. «2» « أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا » یرید کلمه اللَّه، و کقوله «1» « مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللَّهُ » و مثله
کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ » و معناه أ لم یعلم هؤلاء الکفار « أَ لَمْ یَرَوْا » یقول اللَّه تعالی منبهاً للکفار علی وجه الاستدلال علی وحدانیته بأن یقول
فمعنی (کم) هاهنا للتکثیر، و یفسرها (من القرون) و تقدیره أ لم یروا کم قرناً أهلکنا قبلهم من القرون، و موضع (کم) « مِنَ الْقُرُونِ
و نصب « أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ » نصب ب (یروا)- فی قول الکوفیین، و عند البصریین ب (أهلکنا) علی تقدیر القرون أهلکنا او اکثر
(انهم) لأنه مفعول (ا لم یروا) و کسره الحسن علی وجه الاستئناف، و وجه الاحتجاج بذلک هو انه قیل لهم: انظروا لم لا یرجعون
فإنکم تجدون ذلک فی قبضۀ مالکهم یردهم فی الآخرة إذا شاء ردهم، لأنه لا یخلو إهلاکهم اما بالاتفاق من غیر اضافۀ او بالطبیعۀ او
بحی قادر، و لو کان بالاتفاق او بالطبیعۀ لم یمتنع ان یرجعوا الی الدنیا، فإذا بطل ذلک، ثبت أن إهلاکهم بحی قادر إذا شاء ردهم و
إذا شاء لم یردهم. و وجه التذکر بکثرة المهلکین أي انکم ستصیرون الی مثل حالهم، فانظروا لأنفسکم و احذروا أن یأتیکم
صفحۀ 216 من 279
الإهلاك، و أنتم فی غفلۀ عما یراد بکم.
و القرون جمع (قرن) و أهل کل عصر یسمی قرناً، لاقترانهم فی الوجود و القرن- بکسر القاف- هو المقاوم فی الحرب، و منه قرن
عاد و ثمود، و قرون بین ذلک کثیرة. ثم قال « أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ » الشاة لمقارنته القرن الآخر، و کذلک کل ذي قرنین. و قال قتادة
یوم القیامۀ یحضرهم الله و یبعثهم لیجازیهم علی أعمالهم. « لَدَیْنا مُحْضَرُونَ » و هؤلاء الذین لا یرجعون کلهم
__________________________________________________
. 1) سورة 2 البقرة آیۀ 253 )
. 2) سورة 2 الفرقان آیۀ 41 )
ص: 457
و قوله (وَ آیَۀٌ لَهُمُ) علی ذلک أي دلالۀ و حجۀ قاطعۀ (الأرض) یعنی هی الأرض (المیتۀ) القحطۀ المجدبۀ و هی التی لا تنبت
(أحییناها) بالنبات (وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبا فَمِنْهُ یَأْکُلُونَ) من انواع ما یأکلون (و جعلنا فیها) أي و خلقنا فی الأرض (جنات) یعنی بساتین
(من نخیل) جمع نخل (و أعناب) جمع عنب (وَ فَجَّرْنا فِیها) فی تلک الجنات (من العیون) و هی عیون الماء تنبع فیها و تجري ثم بین
انه إنما خلق ذلک (لِیَأْکُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي غرضنا نفعهم بذلک و انتفاعهم بأکل ثمار تلک الجنات (وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ) أي و لم تعمل
تلک الثمار أیدیهم إذا (ما) کانت بمعنی النفی، و إذا کانت معناها معنی الذي یکون تقدیره، و الذي عملته أیدیهم من انواع الأشیاء
المتخذة من النخل و العنب و کثرة منافعه. و قوله (من ثمره) رد الکنایۀ إلی أحدهما کما قال (وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّۀَ وَ لا
کما قال الشاعر: «1» ( یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللَّهِ
«2» نحن بما عندنا و أنت بما عندك راض و الرأي مختلف
و قوله (ا فلا تشکرون) معناه هلا تشکرونه علی هذه النعم التی عددتها.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 36 الی 40 ] ..... ص : 457
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ ( 36 ) وَ آیَۀٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ
37 ) وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ ( 38 ) وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّی عادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ ( 39 ) لا الشَّمْسُ )
( یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ ( 40
__________________________________________________
. 1) سورة 9 التوبۀ آیۀ 35 )
.289 ،246 / 263 و 5 ،230 ،117 / 2) مر فی 1 )
ص: 458
خمس آیات بلا خلاف.
رفعاً علی الاستئناف لأن الفعل مشغول بالضمیر العائد إلی القمر. و قال ابو علی: « و القمر قدرناه » قرأ ابن کثیر و نافع و ابو عمرو و روح
الأجود أن یکون رفعاً علی تقدیر و آیۀ لهم القمر قدرناه، لأنه أشبه بالجمل قبلها. و من رفعه بالابتداء جعل (لهم) صفۀ للنکرة و الخبر
تفسیر للآیۀ. الباقون بالنصب بتقدیر فعل « اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ » فی المشاهدة او الوجود، و یکون قوله « و آیۀ لهم » مضمر، و تقدیره
مضمر، ما بعده تفسیره، و تقدیره: و قدرنا القمر قدرناه.
خَلَقَ الْأَزْواجَ » أي تنزیهاً للذي « سُبْحانَ الَّذِي » یقول اللَّه تعالی منزهاً نفسه و معظماً لها و دالا بأنه هو الذي یستحق الحمد بما نبه بقوله
أي تعظیماً و تبجیلا له بجمیع ما خلق من الازواج، و هی الاشکال، و الحیوان علی مشاکلۀ الذکر للأنثی، و کذلک النخل و « کُلَّها
صفحۀ 217 من 279
من الذکر و « وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » یعنی من سائر النبات « مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ » الحبوب اشکال، و التین و الکرم و نحوه اشکال، فلذلک قال
مما لم یشاهدوه و لم یصل خبره الیهم. « وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ » الأنثی
أي داخلون فی « فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ » أي نخرج منه النهار « اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ » یعنی دلالۀ و حجۀ علی صحۀ ذلک « و آیۀ لهم » ثم قال
الظلمۀ لا ضیاء ص: 459
لهم فیه بالشمس، فالسلخ إخراج الشیء من لباسه، و منه إخراج الحیوان من جلده، یقال سلخ یسلخ سلخاً فهو سالخ، و منه قوله
أي فخرج منها خروج الشیء مما لابسه، ثم قال (وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) آیۀ اخري. و قیل فی معنی المستقر «1» ( (فَانْسَلَخَ مِنْها
ثلاثۀ اقوال:
أحدها- لانتهاء أمرها عند انتقضاء الدنیا.
الثانی- قال قتادة: لوقت واحد لها لا تعدوه و لا تختلف.
الثالث- إلی ابعد منازلها فی الغروب. و قال المبرد معنی (لمستقر لها) أي إلی. و من قال الشمس لا تستقر بل تتحرك أبداً قال معنی
(لمستقر لها) أنها کلما انتهت إلی منقلب الصیف عادت فی الرجوع و إذا بلغت منقلب الشتاء عادت إلی الصعود. ثم قال (ذلِکَ تَقْدِیرُ
الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ) أي من قدر الشمس علی ذلک إلا القادر الذي لا یضام، العالم بما یفعله؟، ثم قال (وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) فمن رفع عطف علی
قوله (وَ الشَّمْسُ تَجْرِي) و من نصب قدر له فعلا یفسره و قوله (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) کل یوم ینزل منزلا غیر المنزل الأول لا یختلف حاله إلی
ان یقطع الفلک (حَتَّی عادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ) فالعرجون العذق الذي فیه الشماریخ، فإذا تقادم عهده یبس و تقوس، فشبه به. و قال
الفراء: العرجون ما بین الشماریخ إلی المنابت فی النخلۀ من العذق، و القدیم الذي اشرف علی حول، و قوله (لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ
تُدْرِكَ الْقَمَرَ) حتی یکون نقصان ضوئها کنقصان القمر، و قال ابو صالح: معناه لا یدرك أحدهما ضوء الآخر، و قیل معناه: (لَا
الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) فی سرعۀ سیره (وَ لَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي و لا یسبق اللیل النهار. و قیل: إن أحدهما لا یذهب
إلی معنی
__________________________________________________
. 1) سورة 7 الاعراف آیۀ 174 )
ص: 460
الآخر و کل له مقادیر قدرها اللَّه علیه. ثم قال (وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ) یعنی الشمس و القمر و الکواکب یسبحون فی الفلک. و إنما
جمعها بالواو و النون لما أضاف الیها أفعال الآدمیین. و قیل: الفلک مواضع النجوم من الهواء الذي یجري فیه. و معنی یسبحون
یسیرون فیه بانبساط، و کل ما انبسط فی شیء فقد سبح فیه، و منه السباحۀ فی الماء.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 41 الی 45 ] ..... ص : 460
وَ آیَۀٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّیَّتَهُمْ فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ ( 41 ) وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما یَرْکَبُونَ ( 42 ) وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَ رِیخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ
( یُنْقَذُونَ ( 43 ) إِلاَّ رَحْمَۀً مِنَّا وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ ( 44 ) وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَیْنَ أَیْدِیکُمْ وَ ما خَلْفَکُمْ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ ( 45
خمس آیات بلا خلاف.
قرأ اهل المدینۀ و ابن عامر و یعقوب (ذریاتهم) علی الجمع. الباقون (ذریتهم) علی التوحید.
یقول اللَّه تعالی ممتناً علی خلقه بضروب نعمه، و دالا لهم علی وحدانیته بأن حمل ذریتهم فی الفلک المشحون. و قیل: معنی (حَمَلْنا
ذُرِّیَّتَهُمْ) أي قویناهم و هدیناهم، کما یقول القائل: حملنی فلان إذا أعطاه ما یحمل علیه او هداه إلی ما یحمل علیه. و من جمع
(ذریاتهم) فلأن کل واحد له ذریۀ. و من وحد فلأنه لفظ جنس یدل علی القلیل و الکثیر، فالحمل منع الشیء أن یذهب إلی التبیان فی
صفحۀ 218 من 279
تفسیر القرآن، ج 8، ص: 461
جهۀ السفل، یقال: حمله حملا، فهو حامل و الشیء محمول. و (الذریۀ) فعلیۀ من الذر. و قیل: هو مشتق من (الذرء) الذي هو الخلق. و
و الفلک السفن، لأنها تدور فی الماء، و منه الفلکۀ لأنها تدور بالمغزل و الفلک لأنه یدور بالنجوم، و فلک «1» قد بیناه فی ما مضی
ثدي المرأة إذا استدار و (المشحون) المملو یقال: شحنت الثغر بالرجال أشحنه شحناً إذا ملأته، و منه الشحنۀ، لأنه یملأ بهم البلد، و
إنما خص الذریۀ- و هم الصبیان و النساء- باللفظ، لأنهم لا قوة لهم علی السفر کما یقوي الرجال، فسخر اللَّه لهم السفن بما جعلها
حَمَلْنا ذُرِّیَّتَهُمْ فِی » علی الماء و عدل الریح لیمکن الحمل فی البحر، و جعل الإبل فی البر. و قال قتادة و الضحاك: المعنی بقوله
سفینۀ نوح. « الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ
قال ابن عباس، و هو قول مجاهد: ان المراد به الإبل و هی سفن البر. « خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما یَرْکَبُونَ » و
أي لا مغیث لهم و لا « فَلا صَرِیخَ لَهُمْ » معناه إنا لو شئنا إذا حملناهم فی السفن أن نغرقهم فعلنا « وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِیخَ لَهُمْ » و قوله
صارخ بالاستغاثۀ قال الشاعر:
کنا إذا ما أتانا صارخ فزع کان الصراخ له قرع الطنابیب
أي لا شیء اعانته إلا الجد فی نصرته، و الطنبوب عظم الساق. و قیل:
أي و لا یخلصون ایضاً من « وَ لا هُمْ یُنْقَذُونَ » معنی الصریخ المعین عند الصراخ بالاستغاثۀ، و کأنه قال: لا معین لهم یعینهم عند ذلک
الغرق إذا أردناه.
أي إلی « إِلی حِینٍ » و یحتمل إلا لرحمۀ منا، فیکون مفعولا له، و « مَتاعاً » معناه إلا أن نرحمهم رحمۀ منا و نمتعهم « إِلَّا رَحْمَ ۀً مِنَّا » و قوله
وقت ما قدرناه
__________________________________________________
.48 ،32 / 303 و 5 / 124 و 4 441 و 3 / 1) انظر 2 )
ص: 462
لاهلاکهم و تقضی آجالهم، و نخلصهم فی الحال من اهوال البحر.
وَ» قال قتادة: معناه ما بین أیدیکم من عذاب اللَّه لمن خلا قبلکم اتقوا مثله باجتناب معاصیه « وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَیْنَ أَیْدِیکُمْ » و قوله
لکی ترحموا عند ذلک و حذف الجواب، کأنه إذا قیل: لهم هذا اعرضوا. و قال مجاهد: « لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ » من أمر الساعۀ « ما خَلْفَکُمْ
یعنی ما مضی من ذنوبکم تلافوه بالتوبۀ لترحموا. « وَ ما خَلْفَکُمْ » هو ما یأتی من الذنوب اجتنبوه فی المستقبل « ما بَیْنَ أَیْدِیکُمْ » معنی
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 46 الی 50 ] ..... ص : 462
وَ ما تَأْتِیهِمْ مِنْ آیَۀٍ مِنْ آیاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ کانُوا عَنْها مُعْرِضِ ینَ ( 46 ) وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا أَ
نُطْعِمُ مَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِی ضَ لالٍ مُبِینٍ ( 47 ) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ( 48 ) ما یَنْظُرُونَ إِلاَّ صَیْحَۀً
( واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ ( 49 ) فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَۀً وَ لا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ ( 50
بفتح الخاء و تشدید الصاد إلا أن أبا عمرو یختلس حرکۀ الخاء. و قرأ « یخصمون » خمس آیات بلا خلاف قرأ ابن کثیر و ابو عمرو
نافع- بفتح الیاء و تسکین الخاء مشدد الصاد- یجمع بین ساکنین. و قرأ ابن عامر و عاصم و الکسائی- بفتح الیاء و کسر الخاء و
تشدید الصاد- و قرأ حمزة- بفتح الیاء و تسکین الخاء و تخفیف الصاد- ص: 463
فمعنی هذه القراءة: و هم یخصمون عند أنفسهم فی دفع النشأة الثانیۀ و القراءتان الأولیتان بمعنی یختصمون، فأدغمت الیاء فی الصاد
بعد أن أسکنت. فمن أسکن الخاء، فلأنها فی الأصل ساکنۀ، و من فتحها نقل حرکۀ الیاء الیها.
صفحۀ 219 من 279
و من کسر الخاء اتبع کسرتها کسرة الصاد. و فی القراء من کسر الیاء اتباعاً لکسرة الخاء، کما قالوا یهدي، و هو یجیء عن أبی بکر.
یقول: اللَّه تعالی مخبراً عن عناد هؤلاء الکفار و شدة جهلهم بأنه (ما تَأْتِیهِمْ مِنْ آیَۀٍ) أي دلالۀ و حجۀ من حجج اللَّه و (من) تزاد فی
النفی إذا أرید بها الاستغراق، کقولهم: ما جاءنی من احد و معناه ما جاءنی احد. و (من) الثانیۀ للتبعیض، لأنه لیس کل آیات اللَّه
جاءتهم، غیر انه تعالی قال لیس تأتیهم من آیۀ أي أيّ آیۀ کانت (مِنْ آیاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا کانُوا) هؤلاء الکفار (عنها معرضین) أي ذاهبین
عنها و تارکین لها و معرضین عن النظر فیها، و کل من اعرض عن الداعی الی کتاب اللَّه و آیاته التی نصبها لعباده لیعرفوه بها فقد
ضل عن الهدي و خسر الدنیا و الآخرة.
ثم اخبر تعالی انه إذا قیل لهم: ایضاً (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ) فی طاعته و اخرجوا ما أوجب اللَّه علیکم فی أموالکم- من الزکوات و
غیرها وضعوها فی مواضعها (قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا) بوحدانیۀ اللَّه و جحدوا ربوبیته و کذبوا بنبوة نبیه (أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ)
احتجاجاً منهم فی منع الحقوق، بأن یقولوا کیف نطعم من اللَّه قادر علی إطعامه؟! و لو شاء إطعامه أطعمه، فإذا لم یطعمه دل علی انه
لم یشأ إطعامه فنحن إذاً أحق بذلک. و ذهب علیهم أن اللَّه تعبدهم بذلک، لما فیه من المصلحۀ و اللطف فی فعل الواجبات و ترك
المقبحات، فلذلک کلفهم إطعام غیرهم. و (الرزق) هو ما خلق اللَّه لخلقه لینتفعوا به علی وجه ص: 464
لا یکون لاحد منعه منه فعلی هذا الوجه لا یکون الحرام رزقاً، فان اللَّه تعالی قد منع منه بالنهی و قد سمی رزقاً ما یصلح للانتفاع به
مجازاً، فعلی هذا لیس کل ما رزقه اللَّه العبد جعل له الإنفاق منه و التصرف فیه، و علی الأول- و هو الأصح- جعل له ذلک. ثم قال
لنبیه صلی اللَّه علیه و آله قل لهم یا محمد (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) أي لیس لکم هدایۀ و ما أنتم إلا فی ذهاب عن الحق و عدول
عنه بین، فعلی هذا قول من قال: هو من قول اللَّه تعالی صحیح، و قال قوم:
هو من قول المشرکین کأنهم لما قالوا: أ نطعم من لو یشاء اللَّه أطعمه؟ قالوا لرسله لیس أنتم إلا فی ضلال مبین فی ما تدعونا الیه.
ثم اخبر تعالی عن الکفار انهم (یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدنا به من نزول العذاب بنا استهزاء بخبره صلی اللَّه علیه و آله و خبر
المؤمنین و تجرّ یا علی اللَّه (إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ) فی ما تدعونا الیه و تخوفونا منه. فقال اللَّه تعالی فی جوابهم (ما ینظرون) أي لا
ینتظرون (إِلَّا صَ یْحَۀً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ) فی هل ینزل العذاب بهم أم لا؟ و إنما جعلهم منتظرین لما قالوا: متی هذا الوعد،
لأن من یلتمس الوعد یکون منتظراً لما وعد به (تأخذهم) فی حال خصامهم (فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِ یَۀً) أي لا یقدر بعضهم علی ان
یوصی إلی بعض (وَ لا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ) أي لا یردون الی أهلهم فیوصون الیهم.
و الصیحۀ التی تأخذهم هی الصیحۀ الأولی فی الدنیا عند قیام الساعۀ (تَأْتِیهِمْ بَغْتَۀً) و الرجل یسقی أبله و آخر یبیع سلعته علی عادتهم
فی تصرفاتهم، فإذا اخذتهم و نزلت بهم لم یستطیعوا توصیۀ و لم یرجعوا الی أهلهم للمعاجلۀ، و
روي عن النبی صلی اللَّه علیه و آله انه قال (هی ثلاث نفخات: نفخۀ الفزع، و نفخۀ الصعق، و نفخۀ القیام لرب العالمین)
ص: 465
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 51 الی 60 ] ..... ص : 465
وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ ( 51 ) قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ
52 ) إِنْ کانَتْ إِلاَّ صَیْحَۀً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ ( 53 ) فَالْیَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 54 ) إِنَّ )
( أَصْحابَ الْجَنَّۀِ الْیَوْمَ فِی شُغُلٍ فاکِهُونَ ( 55
هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِی ظِلالٍ عَلَی الْأَرائِکِ مُتَّکِؤُنَ ( 56 ) لَهُمْ فِیها فاکِهَۀٌ وَ لَهُمْ ما یَدَّعُونَ ( 57 ) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ ( 58 ) وَ امْتازُوا
( الْیَوْمَ أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ ( 59 ) أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ ( 60
خفیفۀ. الباقون بضم الغین مثقلۀ، و هما لغتان. و قرأ ابو جعفر « فی شغل » عشر آیات بلا خلاف قرأ ابن کثیر و نافع و أبو عمرو
صفحۀ 220 من 279
علی « فی ظلل » بغیر ألف حیث وقع، وافقه حفص و الداحونی عن ابن ذکوان فی (المطففین). و قرأ اهل الکوفۀ إلا عاصما « فکهون »
مثل برمۀ و برام، و قلۀ و قلال. و قیل: هو جمع ظل و ظلال، و هو « فی ظلال » انه جمع ظلۀ مثل ظلمۀ و ظلم و تحفۀ و تحف، الباقون
الکن، کما ص: 466
و قال ابو عبیدة: هو جمع الظل أظلال. «1» ( قال (یتفیؤ ظله
یقول اللَّه تعالی مخبراً (وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ) و قیل: إن الصور قرن ینفخ فیه إسرافیل فیخرج من جوفه صوت عظیم یمیل العباد الیه، لأنه
کالداعی لهم إلی نفسه. و قال أبو عبیدة: الصور جمع صورة مثل بسرة و بسر، و لو جعلوه مثل (ظلمۀ، و ظلم) لقالوا: صور بفتح الواو،
أي أملهن الیک و منه الصورة، لأنها تمیل إلی «2» ( و هو مشتق من المیل، صاره یصوره صوراً إذا أماله و منه قوله (فَصُ رْهُنَّ إِلَیْکَ
مثلها بالمشاکلۀ. و قوله (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) و هو جمع جدث، و هو القبر، فلغۀ اهل العالیۀ بالثاء، و لغۀ أهل السافلۀ بالفاء یقولون:
جدف إلی ربهم ینسلون أي یسرعون و النسول الاسراع فی الخروج کما قال الشاعر:
«3» عسلان الذئب أمسی قارباً برد اللیل علیه فنسل
یقال: نسل ینسل و ینسل نسولا، قال امرؤ القیس:
«4» و إن تک قد ساءتک منی خلیقۀ فسلی ثیابی من ثیابک تنسل
و قال قتادة: الموتۀ بین النفختین. ثم حکی ما یقول الخلائق إذا حشروا، فإنهم (قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أي من حشرنا من
منامنا الذي کنا فیه نیاماً، ثم یقولون (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) فی ما أخبرونا عن هذا المقام و عن هذا البعث. فان قیل:
هذا ینافی قول المسلمین الذین یقولون: الکافر یعذب فی قبره، لأنه لو کان معذباً لما کان فی المنام!.
قیل: یحتمل ان یکون العذاب فی القبر و لا یتصل إلی یوم البعث، فتکون النومۀ
__________________________________________________
. 1) سورة 16 النحل آیۀ 48 )
. 2) سورة 2 البقرة آیۀ 260 )
[.....] .279 / 4) مر فی 7 ،3)
ص: 467
بین الحالین. و یحتمل لو کان متصلا أن یکون ذلک عبارة عن عظم ما یشاهدونه و یحضرون فیه یوم القیامۀ، فکأنهم کانوا قبل ذلک
فی مرقد، و إن کانوا فی عذاب لما کان قلیلا بالاضافۀ الی الحاضر. و قال قتادة: قوله (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) حکایۀ قول المؤمن. و قال
ابن زید و الجبائی: هو قول الکفار، و هو أشبه بالظاهر، لأنه تعالی حکی عنهم انهم یقولون: یا ویلنا، و المؤمن لا یدعو بالویل لعلمه
بما له من نعیم الجنۀ. و قال الفراء: هو من قول الملائکۀ.
و قال تعالی مخبراً عن سرعۀ بعثهم و سرعۀ اجتماعهم (إِنْ کانَتْ إِلَّا صَیْحَۀً واحِدَةً) و المعنی لیست المدة إلا مدة صیحۀ واحدة (فَإِذا
هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ) ثم حکی تعالی ما یقوله- عز و جل- یومئذ للخلائق فانه یقول لهم (فَالْیَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً) أي لا ینقص
من له حق من حقه شیئاً من ثواب او عوض او غیر ذلک، و لا یفعل به ما لا یستحقه من العقاب بل الأمور جاریۀ علی العدل (وَ لا
تُجْزَوْنَ إِلَّا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) و معناه لا یجازي الإنسان إلا علی قدر عمله، إن کان عاملا بالطاعۀ جوزي بالثواب، و إن کان عاصیاً
جوزي بالعقاب علی قدر عمله من غیر زیادة علیه و لا نقصان، إلا أن یتفضل اللَّه بإسقاط عقابه.
ثم قال تعالی (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّۀِ الْیَوْمَ فِی شُغُلٍ فاکِهُونَ) یعنی یشغلهم النعیم الذي یغمرهم بسرورهم به عن غیره. و قال ابن مسعود و
ابن عباس:
الشغل کنایۀ عن افتضاض الأبکار. و قیل استماع الألحان (فاکهون) قال ابن عباس: معناه فرحون. و قال مجاهد: عجبون، و قیل: ذو
صفحۀ 221 من 279
فاکهۀ، کما یقال لاحم شاحم أي ذو لحم و شحم، و عاسل ذو عسل، قال الحطیئۀ: ص: 468
«1» و عززتنی و زعمت انک لابن فی الصیف تامر
أي ذو لبن و تمر. و قیل: فاکه و فکه مثل حاذر و حذر. و الفکه الذي یتمري بالشیء.
ثم اخبر عن حال أهل الجنۀ فقال (هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِی ظِلالٍ عَلَی الْأَرائِکِ) فالازواج جمع زوجۀ و هی حرة الرجل الذي یحل له
وطؤها. و یقال للمرأة زوج ایضاً بغیر هاء فی الموضع الذي لا یلتبس بالذکر، و الظلال الستار عن وهج الشمس و سمومها، فأهل الجنۀ
فی مثل ذلک الحال فی الطیبۀ من الظلال الذي لا حر فیه و لا برد. و قیل: الظل الکن و جمعه ظلال. و قیل هو جمع ظلۀ و ظلال، مثل
قلۀ و قلال، و من قرأ ظلل، فعلی وزن ظلمۀ و ظلم، و قلۀ و قلل. و الأرائک جمع أریکۀ و هی الوسادة، و جمعها وسائد، و یجمع أیضاً
أرك کقولهم سفینۀ و سفن و سفائن، و هذه جلسۀ الملوك العظماء من الناس. و قیل الأرائک الفرش، قال ذو الرمۀ:
«2» خدوداً جفت فی السیر حتی کأنما یباشرن بالمعزاء مس الأرائک
و قال عکرمۀ و قتادة: الأرائک الحجال علی السرر (متکئون) فمتکئ مفتعل من توکأت، إلا أن الواو أبدلت تاء. ثم قال (لهم فیها) فی
الجنۀ (فاکِهَۀٌ، وَ لَهُمْ ما یَدَّعُونَ) أي ما یتمنون، و قال ابو عبیدة: یقول العرب:
ادع علی ما شئت أي تمن ما شئت، و قیل: معناه إن من ادعی شیئاً فهو له بحکم اللَّه تعالی، لأنه قد هذبت طباعهم، فلا یدعون إلا ما
یحسن منهم.
و قوله (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ) معناه و لهم سلام قولا من رب رحیم
__________________________________________________
.164 / 1) مجاز القرآن 2 )
.164 / 401 و 2 / 2) مجاز القرآن 1 )
ص: 469
یسمعونه من اللَّه تعالی و یؤذنهم بدوام الأمن و السلامۀ و دوامهما مع سبوغ النعمۀ و الکرامۀ. ثم یقول للعصاة (امْتازُوا الْیَوْمَ أَیُّهَا
الْمُجْرِمُونَ) و معناه انفصلوا معاشر العصاة و امتازوا، الذین اجترموا و ارتکبوا من المعاصی من جملۀ المؤمنین، و قال قتادة: معناه
اعتزلوا معاشر العصاة عن کل خیر، یقال تمیز الشیء تمیزاً و میزته تمییزاً، و انماز انمیازاً.
ثم حکی ما یقول تعالی لهم فانه یقول لهم (أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ) یعنی علی لسان أنبیائه (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ) فجعل
عبادتهم للأوثان بأمر الشیطان عبادة له (إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ) أي، و قلت لکم أن الشیطان لکم عدو مبین أي ظاهرة عداوته لکم.
قوله تعالی: [سورة یس ( 36 ): الآیات 61 الی 65 ] ..... ص : 469
( وَ أَنِ اعْبُدُونِی هذا صِ راطٌ مُسْتَقِیمٌ ( 61 ) وَ لَقَدْ أَضَ لَّ مِنْکُمْ جِبِ  لا کَثِیراً أَ فَلَمْ تَکُونُوا تَعْقِلُونَ ( 62 ) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 63
( اصْلَوْهَا الْیَوْمَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ ( 64 ) الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ ( 65
خمس آیات بلا خلاف.
قرأ ابن کثیر و حمزة و الکسائی و خلف و رویس (جبلا) بضم الجیم و الباء خفیفۀ اللام. و قرأ نافع و ابو جعفر و عاصم بکسر الجیم و
الباء مشددة.
و قرأ ابو عمرو و ابن عامر بضم الجیم ساکنۀ الباء خفیفۀ. هذه کلها لغات ص: 470
و المعنی واحد. قال النوري یقال: جُبلًا و جِبلًا و جبلًا و جُبلا. و حکی غیره التشدید.
لما حکی اللَّه تعالی ما یقوله الکفار یوم القیامۀ و یواقفهم علیه من انه عهد الیهم أن لا تعبدوا الشیطان و انه عدوهم، حکی انه کان
صفحۀ 222 من 279
أمرهم أیضاً بأن یعبدوا اللَّه و أن عبادته صراط مستقیم، فوصف عبادته تعالی بأنه طریق مستقیم من حیث کان طریقاً مستقیماً إلی
الجنۀ، و انه لا تخلیط فیه و لا تعریج. ثم قال (وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْکُمْ) یعنی أضل عن الدین الشیطان منکم (جِبِلا کَثِیراً) أي خلقاً کثیراً و
إضلاله إیاهم هو إغواؤه لهم، کما أضل السامري قوم موسی لما دعاهم إلی عبادة العجل، فکان الإضلال علی هذا الوجه قبیحاً، فأما
إضلال اللَّه تعالی للکفار عن طریق الجنۀ إلی طریق النار او إضلالهم بمعنی الحکم علیهم بالضلال، فهو حسن. و أمر الشیطان بالضلال
الذي یقع معه القبول إضلال کما یسمی الأمر بالاهتداء الذي یقع عنده القبول هدي.
و فی الآیۀ دلالۀ علی بطلان مذهب المجبرة فی إرادة اللَّه اضلالهم، لان ذلک أضر علیهم من إرادة الشیطان و أشد علیهم فی إیجاد
العداوة قبل أن یکفروا. و (الجبل) الجمع الذین جبلوا علی خلیقۀ، و جبلوا أي طبعوا.
و أصل الجبل الطبع و منه جبلت التراب بالماء إذا صیرته طیناً یصلح أن یطبع فیه، و منه الجبل لأنه مطبوع علی الثبات (أَ فَلَمْ تَکُونُوا
تَعْقِلُونَ) أنه یغویکم و یصدکم عن دین الحق فتنتبهون علیه، فهو بصورة الاستفهام و معناه الإنکار علیهم و التبکیت لهم.
ثم یقول اللَّه لهم (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها فی دار التکلیف حاضرة تشاهدونها (اصْلَوْهَا الْیَوْمَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ) معناه الزموا
العذاب ص: 471
بها، و أصل الصلو اللزوم فمنه المصلی الذي یجیء فی أثر السابق للزومه أثره و الصلوان مکتنفا ذنب الفرس للزومها و موضعها. و
قولهم: صلی علی عادتها للزومه الدعاء، و سمیت الصلاة صلاة للزوم الدعاء فیها. و قوله (بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ) أي جزاء علی کفرکم
باللَّه و جحدکم لوحدانیته و تکذیبکم أنبیاءه.
وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا » ثم اخبر تعالی بأنه یختم علی أفواه الکفار یوم القیامۀ فلا یقدرون علی الکلام و النطق
قیل: « یَکْسِبُونَ
فی معنی شهادة الأیدي قولان:
أحدهما- إن اللَّه تعالی یخلقها خلقۀ یمکنها أن تتکلم و تنطق و تعترف بذنوبها و الثانی- انه یجعل اللَّه فیها کلاماً و نسبه الیها لما ظهر
من جهتها، و قال قوم: انه یظهر فیها من الامارات ما تدل علی ان أصحابها عصوا و جنوا بها أقبح الجنایات فسمی ذلک شهادة، کما
یقال: عیناك تشهد لسهرك، و قال الشاعر:
«1» امتلأ الحوض و قال قطنی مهلا رویداً قد ملأت بطنی
و غیر ذلک مما قد بیناه فی ما تقدم، و کل ذلک جائز، و قال آخر:
«2» و قالت له العینان سمعاً و طاعۀ و حدّرتا کالدر لما یثقب
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 66 الی 70 ] ..... ص : 471
وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلی أَعْیُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّی یُبْصِرُونَ ( 66 ) وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلی مَکانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِیا وَ لا یَرْجِعُونَ
67 ) وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ أَ فَلا یَعْقِلُونَ ( 68 ) وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما یَنْبَغِی لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِینٌ ( 69 ) لِیُنْذِرَ مَنْ کانَ )
( حَیا وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْکافِرِینَ ( 70
__________________________________________________
.431 / 1) مر فی 1 )
.45 / 431 و 6 / 2) مر فی 1 )
ص: 472
خمس آیات بلا خلاف.
صفحۀ 223 من 279
قرأ ابو بکر عن عاصم (مکاناتهم) علی الجمع. الباقون علی التوحید، لأنه یدل علی القلیل و الکثیر. و قرأ عاصم و حمزة (ننکسه) بضم
النون الأولی و فتح الثانیۀ و تشدید الکاف. الباقون بفتح النون الأولی و تخفیف الثانیۀ و تخفیف الکاف، و هما لغتان تقول: نکست و
نکست مثل رددت و رددت غیر ان التشدید للتکثیر، و التخفیف یحتمل القلیل و الکثیر، و قال ابو عمرو بالتشدید إن ترك الرجل من
دأبه، و بالتخفیف ان یرده إلی أرذل العمر، ففرق بینهما. و قرأ نافع و أبوا جعفر و الداحونی عن هشام و النقار و یعقوب (أ فلا تعقلون)
بالتاء. الباقون بالیاء. « لتنذر » بالتاء. الباقون بالیاء، و الأول علی الخطاب، و الثانی علی الخبر عن الغائب. و قرأ اهل المدینۀ و ابن عامر
یقول اللَّه تعالی مخبراً عن قدرته علی إهلاك هؤلاء الکفار الذین جحدوا وحدانیته و عبدوا سواه و جحدوا رسله إنا (لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا
عَلی أَعْیُنِهِمْ) قال ابن عباس: معناه إنا لو شئنا أعمیناهم عن الهدي. و قال الحسن و قتادة:
معناه لترکناهم عمیاً یترددون و الطمس محو الشیء حتی یذهب أثره، فالطمس علی العین کالطمس علی الکتاب، و مثله الطمس علی
، المال: إذهابه حتی لا یقع علی إدراکه (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) و معناه طلبوا النجاة. و السبق الیها و لا بصر التبیان فی تفسیر القرآن، ج 8
ص: 473
لهم (فَأَنَّی یُبْصِ رُونَ) و قیل: معناه فاستبقوا الطریق إلی منازلهم فلم یهتدوا الیها. و قال ابن عباس: معناه طلبوا طریق الحق و قد عموا
عنها.
و الطمس علی العین إذهاب الشق الذي بین الجفنتین، کما تطمس الریح الأثر یقال أعمی مطموس، و طمس أي عمی (فاستبقوا)
معناه فابتدروا، و هذا بیان من اللَّه أنهم فی قبضته، و هو قادر علی ما یرید بهم، فلیحذروا تنکیله بهم. ثم قال زیادة فی التحذیر و
الإرهاب (وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلی مَکانَتِهِمْ) و المسخ قلب الصورة إلی خلقۀ مشوهۀ کما مسخ قوماً قردة و خنازیر، و المسخ نهایۀ
التنکیل. و قال الحسن و قتادة: معناه لمسخناهم علی مقعدهم علی أرجلهم و المکانۀ و المکان واحد، و لو فعلنا بهم ذلک (فَمَا
اسْتَطاعُوا مُضِ یا) أي لما قدروا أن یذهبوا أصلا و لا أن یجیئوا ثم قال (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ) معناه إن من طولنا عمره نصیره
بعد القوة إلی الضعف و بعد زیادة الجسم إلی النقصان و بعد الجدة و الطراوة إلی البلی و الخلاقۀ. و قیل معناه: نصیره و نرده إلی حال
الهرم التی تشبه حال الصبی و غروب العلم و ضعف القوي ذکره قتادة.
و قوله (ا فلا تعقلون) یعنی ما ذکرناه بأن تفکروا فیه فتعرفوا صحۀ ما قلناه.
ثم اخبر تعالی عن نبیه صلی اللَّه علیه و آله فقال (وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما یَنْبَغِی لَهُ) و معناه ما علمناه الشعر لأنا لو علمناه ذلک لدخلت
به الشبهۀ علی قوم فی ما اتی به من القرآن و أنه قدر علی ذلک لما فی طبعه من الفطنۀ للشعر. و قیل:
لما لم یعط اللَّه نبیه العلم بالشعر و إنشائه لم یکن قد علمه الشعر، لأنه الذي ص: 474
یعطی فطنۀ ذلک من یشاء من عباده. ثم قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِینٌ) یعنی لیس الذي أنزلناه علیه شعراً بل لیس إلا ذکر من اللَّه
(وَ قُرْآنٌ مُبِینٌ لِیُنْذِرَ مَنْ) یعنی واضح، و فعلنا ذلک و غرضنا أن تنذر به أي تخوف به من معاصی اللَّه (مَنْ کانَ حَیا) قیل: معناه من
و یقویه قوله (وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْکافِرِینَ) و یجوز أن «1» ( کان مؤمناً، لأن الکافر شبهه و مثله بالأموات فی قوله (أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ
یکون أراد من کان حیاً عاقلا دون من کان جماداً لا یعقل، و یحق القول علی الکافرین إذا لم یقبلوه و خالفوا فیه. و من قرأ بالتاء وجه
الخطاب إلی النبی صلی اللَّه علیه و آله لأنه الذي یخوف.
و من قرأ بالیاء معناه إن اللَّه الذي یخوفهم و یرهبهم بالقرآن، لأنه الذي أنشأه، و یجوز أن یکون القرآن هو الذي ینذر من حیث
تضمن الانذار.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 71 الی 75 ] ..... ص : 474
أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِکُونَ ( 71 ) وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَکُوبُهُمْ وَ مِنْها یَأْکُلُونَ ( 72 ) وَ لَهُمْ فِیها
صفحۀ 224 من 279
مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا یَشْکُرُونَ ( 73 ) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَۀً لَعَلَّهُمْ یُنْ َ ص رُونَ ( 74 ) لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ
(75)
خمس آیات بلا خلاف.
یقول اللَّه تعالی منبهاً لخلقه علی الاستدلال علی معرفته (او لم یروا)
__________________________________________________
. 1) سورة 16 النحل آیۀ 21 )
ص: 475
و معناه او لم یعلموا (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینا أَنْعاماً) و معناه إنا عملناه من غیر أن نکله إلی غیرنا، فهو بمنزلۀ ما یعمله العباد
بأیدیهم فی انهم تولوا فعله و لم یکلوه إلی غیرهم، و تقدیره انا تولینا خلق الانعام لهم بأنفسنا، و الأنعام جمع النعم، و هی الإبل و البقر
و الغنم (فَهُمْ لَها مالِکُونَ) معناه لو لم یخلق ذلک لما صح ملکهم لها، و کذلک سائر أملاك العباد بهذه الصفۀ فهو المنعم علی عباده
بکل ما ملکوه، و بحسب ما ینتفعون به یکون حاله حال المنعم. و الید فی اللغۀ علی أربعۀ أقسام: أحدهما- الجارحۀ. و الثانی- النعمۀ،
و الثالث- القوة. و الرابع- بمعنی تحقیق الاضافۀ. تقول: له عندي ید بیضاء أي نعمۀ، و تلقی قولی بالیدین أي بالقوة و التقبل، و قول
الشاعر:
دعوت لما نابنی مسوراً فلبی فلبی یدي مسور
فهذا بمعنی تحقیق الاضافۀ. و تقول هذا ما جنت یدك، و ما کسبت یدك أي ما کسبت أنت.
و قوله (وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ) فتذلیل الانعام تسخیرها بالانقیاد و رفع النفور لان الوحشی من الحیوان نفور، و الانسی مذلل بما جعله اللَّه فیه
من الانس و السکون، و رفع عنه من الاستیحاش و النفور. و قوله (فَمِنْها رَکُوبُهُمْ وَ مِنْها یَأْکُلُونَ) قسمۀ الانعام، فان اللَّه تعالی جعل منها
ما یرکب و منها ما یذبح و ینتفع بلحمه و یؤکل، فالرکوب- بفتح الراء- صفۀ، یقال: دابۀ رکوب أي تصلح للرکوب، و الرکوب-
بضم الراء- مصدر رکبت. و قرأت عائشۀ (فمنها رکوبتهم) مثل الحلوبۀ. و قوله (وَ لَهُمْ فِیها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ) فمن منافعها لبس أصوافها
و شرب ألبانها و أکل لحومها و رکوب ظهورها إلی غیر ذلک من انواع المنافع الکثیرة فیها. ثم قال (أ فلا تشکرون) اللَّه علی هذه
ص: 476
النعم المختلفۀ المتقنۀ.
ثم اخبر عن حال الکفار فقال (وَ اتَّخَ ذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَۀً لَعَلَّهُمْ یُنْ َ ص رُونَ) یعبدونها لکی ینصروهم. ثم قال تعالی (لا یَسْتَطِیعُونَ
نَصْ رَهُمْ) یعنی هذه الآلهۀ التی اتخذوها و عبدوها لا تقدر علی نصرهم و الدفع عنهم ما ینزل بهم من عذاب اللَّه (وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ
مُحْ َ ض رُونَ) و معناه إن هذه الآلهۀ معهم فی النار محضرون، لأن کل حزب مع ما عبد من الأوثان فی النار، کما قال (إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) إلا من استثناه بقوله (إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا یَسْمَعُونَ حَسِیسَها وَ هُمْ فِی
فاما الأصنام فان اللَّه تعالی یجعلها مع من عبدها فی النار، فلا الجند یدفعون عنها الإحراق بالنار و لا «1» ( مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ
هم یدفع عنهم العذاب. و قال قتادة: یعنی و هم لهم جند محضرون أي و هم یغضبون للأوثان فی الدنیا.
قوله تعالی:[سورة یس ( 36 ): الآیات 76 الی 83 ] ..... ص : 476
فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ ( 76 ) أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَۀٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ ( 77 ) وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا
وَ نَسِیَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ ( 78 ) قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ ( 79 ) الَّذِي جَعَلَ لَکُمْ مِنَ
( الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( 80
صفحۀ 225 من 279
أَ وَ لَیْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلی وَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِیمُ ( 81 ) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ
( کُنْ فَیَکُونُ ( 82 ) فَسُبْحانَ الَّذِي بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْءٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ ( 83
__________________________________________________
.102 -101 - 1) سورة 21 الأنبیاء آیۀ 98 )
ص: 477
ثمان آیات بلا خلاف.
قرأ رویس (یقدر) بالیاء و جعله فعلا مستقبلا. و قرأ الکسائی و ابن عباس (فیکون) نصباً عطفاً علی (أن نقول ... فیکون) الباقون بالرفع
بتقدیر، فهو یکون.
هذا خطاب من اللَّه تعالی لنبیه صلی اللَّه علیه و آله علی وجه التسلیۀ له عن تکذیب قومه إیاه، فقال (فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ) و ضم الیاء
نافع، و حزن و أحزن لغتان. و الحزن ألم القلب بما یرد علیه مما ینافی الطبع، و مثله الغم، و ضده السرور و الفرح و المعنی فی صرف
الحزن عن النبی صلی اللَّه علیه و آله فی کفر قومه هو أن ضرر کفرهم عائد علیهم، لأنهم یعاقبون به دون غیرهم. ثم قال (إِنَّا نَعْلَمُ ما
یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ) أي ما یظهرونه و ما یبطنونه فنجازي کلًا منهم علی قدره لا یخفی علینا شیء منها. ثم قال منبهاً لخلقه علی
الاستدلال علی صحۀ الاعادة و النشأة الثانیۀ، فقال (أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ) و معناه أو لم یعلم (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَۀٍ فَإِذا هُوَ خَصِ یمٌ مُبِینٌ) و
معناه إنا نقلناه من النطفۀ إلی العلقۀ و من العلقۀ إلی المضغۀ و من المضغۀ إلی العظم و من العظم إلی أن جعلناه خلقاً سویاً و جعلنا فیه
الروح و أخرجناه من بطن أمه و لابیناه و نقلناه من حال إلی حال إلی أن کمل عقله و صار متکلماً خصیماً علیماً، التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 8، ص: 478
فمن قدر علی جمیع ذلک کیف لا یقدر علی الاعادة، و هی أسهل من جمیع ذلک؟! و لا یجوز أن یکون خلق الإنسان و لا خالق له،
و لا أن یکون واقعاً بالطبیعۀ، لأنها فی حکم الموات فی أنها لیست حیۀ قادرة، و من کان کذلک لا یصح منه الفعل و لا أن یکون
کذلک بالاتفاق لان المحدث لا بد له من محدث قادر و إذا کان محکما فلا بد من کونه عالماً.
و فی الآیۀ دلالۀ علی صحۀ استعمال النظر، لان اللَّه تعالی أقام الحجۀ علی المشرکین بقیاس النشأة الثانیۀ علی النشأة الأولی، و أنه یلزم
من أقر بالأولی أن یقر بالثانیۀ.
ثم حکی تعالی عن بعض الکفار انه (ضرب لنا) أي ضرب للَّه (مَثَلًا وَ نَسِیَ خَلْقَهُ) کیف کان فی الابتداء (قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ
رَمِیمٌ) فقال قتادة، و مجاهد: کان القائل أبی بن خلف. و قال سعید بن جبیر:
هو العاص بن وابل السهمی. و قال ابن عباس: هو عبد اللَّه بن أبی ابن سلول. و
قال الحسن: جاء أمیۀ إلی النبی صلی اللَّه علیه و آله بعظم بال قد بلی، فقال یا محمد أ تزعم ان اللَّه یبعث هذا بعد ما بلی!. قال: نعم،
فنزلت الآیۀ.
و الرمیم هو البالی، فقال اللَّه تعالی فی الرد علیه (قل) یا محمد لهذا المتعجب من الاعادة (یُحْیِیهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) لأن من قدر
علی الاختراع لما یبقی من غیر تغییر عن صفۀ القادر، فهو علی إعادته قادر لا محالۀ (وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ) أي عالم بکل جنس من
أجناس الخلق. ثم وصف نفسه فقال (الَّذِي جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فبین أن من قدر علی ان یجعل فی
الشجر الأخضر الذي هو فی غایۀ الرطوبۀ ناراً حامیۀ مع تضاد النار للرطوبۀ حتی إذا احتاج الإنسان حک بعضه ببعض و هو التبیان فی
تفسیر القرآن، ج 8، ص: 479
المزح و العفار و غیر ذلک من انواع الشجر فیخرج منه النار و ینقدح، فمن قدر علی ذلک لا یقدر الاعادة؟! ثم نبههم علی دلیل آخر
فقال (أَ وَ لَیْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) و معناه من قدر علی اختراع السموات و الأرض کیف لا
صفحۀ 226 من 279
یقدر علی أمثاله؟! و قد ثبت أن من شأن القادر علی الشیء أن یکون قادراً علی جنس مثله و جنس ضده. و دخول الباء فی خبر
(لیس) لتأکید النفی.
ثم قال تعالی مجیباً عن هذا النفی فقال (بَلی وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِیمُ) أي هو خالق لذلک عالم بکیفیۀ الاعادة.
ثم قال تعالی (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ) و المعنی بذلک الاخبار عن سهولۀ الفعل علیه و انه إذا أراد فعل شیء
فعله بمنزلۀ ما یقول للشیء کن فیکون فی الحال، و هو مثل قول الشاعر:
«1» و قالت له العینان سمعا و طاعۀ و حدرتا کالدر لما یثقب
و إنما اخبر عن سرعۀ دمعه دون ان یکون قبولا علی الحقیقۀ. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْءٍ) و معناه تنزیهاً له عن نفی القدرة
علی الاعادة و غیر ذلک مما لا یلیق به الذي یقدر علی الملک، و فیه مبالغۀ (وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ) یوم القیامۀ الذي لا یملک فیه الأمر و
النهی سواه، فیجازیکم علی قدر أعمالکم من الطاعات و المعاصی بالثواب و العقاب.
__________________________________________________
.471 / 45 و 8 / 431 و 6 / 1) مر فی 1 )
ص: 480
-37 سورة الصافات